للضوابط الشرعية.. كيف أنصح زميلات العمل بحكمة؟

Consultation Image

الإستشارة 24/09/2025

أنا أعمل في بيئة مختلطة، وأحيانًا يؤلمني ما أراه من بعض الزميلات من تهاون في الضوابط الشرعية، ككثرة الضحك مع الزملاء أو الحديث بتوسع في غير حاجة العمل، أو التساهل في المظهر والستر. ويزيد حرصي عليهن أن بعضهن متزوجات، وأشعر أن هذا التهاون قد يجرّ عليهن ضررًا في دينهن أو حياتهن الأسرية. غير أنني عندما أفكر أن أنصحهن، أخشى أن أنفرهن مني أو أن يعتبرنني متشددة أو متدخلة فيما لا يعنيني.. فكيف أستطيع أن أوفق بين غيرتي على ديني وحبّي لهن من جهة، وبين الأسلوب الحكيم الرقيق الذي يوصل النصيحة من غير أن يجرح مشاعرهن أو يدفعهن للعناد؟

الإجابة 24/09/2025

مرحبا بكِ أيتها الأخت الكريمة، وأسأل الله أن يبارك في غيرتك على زميلاتك، وأن يجعل صدق نيتك في الحرص عليهن سببًا لرفعة أجرك عنده.

 

إن ما تحملينه في قلبك من غيرة صادقة على أعراض المسلمات، وما تشعرين به من ألم عند رؤية التهاون، ليس أمرًا عاديًّا، بل هو من دلائل الإيمان؛ فقد قال النبي ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» (رواه مسلم). وما دمت قد استشعرت هذا الألم في قلبك، فإنك في خير عظيم، لكن يبقى السؤال: كيف توصلين هذه الغيرة بأسلوب رحيم لا ينفّر ولا يجرح؟

 

النصيحة رحمة

 

إن الأصل في النصيحة أن تكون رحمة لا فضيحة، ومودّة لا قسوة. فالمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كما قال ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» ومن هنا، فإن أول ما ينبغي أن يملأ قلبك عند نصح زميلاتك هو الحب لهن، والرغبة في أن يحفظ الله قلوبهن وأعراضهن. فإذا أحسّت الزميلة أنك تنصحينها بدافع محبة صادقة وحرص مخلص، فإنها ستتقبل كلامك ولو بعد حين، بخلاف لو أحست أنك تضعين نفسك في مقام المتفوقة عليها أو الحاكمة على سلوكها.

 

تذكري أن النبي ﷺ كان يختار الألفاظ الأرق والأجمل عند النصح، حتى مع المخطئين، فحين جاءه الشاب يستأذنه في الزنا لم يصرخ في وجهه ولم يوبخه، بل حاوره بلطف وقال له: «أترضاه لأمك؟»... حتى أقرّ الشاب واقتنع وخرج وهو يقول: والله ما كان أبغض إليّ من الزنا. فهذا المنهج النبوي يعلمنا أن الأسلوب أحيانًا يكون أبلغ من مجرد الموعظة.

 

مراعاة الظروف والتدرج في النصيحة

 

أختي السائلة الكريمة، إن زميلاتك قد يفعلن ما يفعلن بدافع الغفلة، أو التقليد، أو ظن أن هذا لا يضر، وربما لضعف في التربية أو البيئة. ولذلك فإن النصيحة تحتاج إلى مراعاة هذه الملابسات. قد تكون الكلمة المباشرة ثقيلة، بينما الموقف العملي المؤثر يكون أنفع. على سبيل المثال: حين يراك زميلاتك ملتزمة في لباسك، متزنة في كلامك، كريمة الخلق، بشوشة من غير إفراط، صارمة في مواضع الجد، فإن هذا بحد ذاته رسالة قوية أبلغ من مئة موعظة.

 

كذلك لا تنسي أن الهداية من الله وحده، وأن دورك هو البلاغ والنصح بالحكمة. وقد قال الله تعالى لنبيه ﷺ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾، فإياك أن تحملي نفسك عبئًا فوق طاقتها أو تشعري بالإحباط إذا لم يتغير السلوك سريعًا. يكفيك أنك أديتِ الأمانة وكنت سببًا في إيصال الخير.

 

واعلمي أن الدعوة بالحكمة تقتضي التدرج: ليس بالضرورة أن تبادري بنصيحة صريحة، بل ابدئي أولاً ببث المعاني الإيمانية في الحديث العام، أو تذكير جماعي بفضل الحياء أو خطر التساهل، أو مشاركة مادة نافعة في مجموعة العمل. فإذا رأيت تجاوبًا أو استعدادًا، اقتربي أكثر بالكلمة المباشرة الهادئة. أما إذا وجدت صدودًا، فاكتفي بالدعاء لهن، مع الاستمرار في تقديم النموذج العملي الحي.

 

خطوات عملية للنصح الحكيم

 

1) استحضري نيتك دائمًا أن نصيحتك خالصة لله، لا لإثبات ذات أو سيطرة.

 

2) اجعلي قدوتك شخصية عملية تُلهم زميلاتك بالصمت والوقار وحسن الخلق قبل الكلمة المباشرة.

 

3) قدّمي النصيحة بأسلوب عام مشترك، مثل: أتعلمْنَ يا أخوات أن الحياء شعبة من الإيمان؟ دون توجيه شخصي جارح.

 

4) إذا احتجت للكلمة الخاصة، فلتكن في خلوة آمنة وبأسلوب رقيق، يبدأ بالثناء على محاسنها قبل الإشارة بلطف إلى ما تحتاج لتصحيحه.

 

5) استخدمي الأسلوب غير المباشر، كإهداء كتاب أو إرسال مقطع قصير نافع، فإن هذا أحياناً يكون أبلغ من الكلام

 

6) أكثري من الدعاء لزميلاتك بظهر الغيب، فالدعاء يفتح القلوب ويهيئها لقبول الحق.

 

7) لا تنسي أن دوام اللطف مع الثبات على الحق هو أعظم وسيلة لكسب القلوب.

 

وختاما نسأل الله تعالى صلاح الحال وحسن المآل.. وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

 

 

روابط ذات صلة:

كيف تحفظ المسلمة كرامتها في بيئة العمل المختلط؟

كيف أحفظ وقاري أمام مضايقات بعض الزملاء؟

بين الحب والحق.. كيف أنصح صديق عمري العاصي؟

غيرة زوجي شديدة بسبب عملي.. ما الحل؟

مِزاحي مع الزملاء في العمل يقلقني

حجابي في العمل بين الثبات وضغوط الآخرين

حفظ قلب المرأة في بيئة العمل

الرابط المختصر :