الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : الدعوة النسائية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
35 - رقم الاستشارة : 2660
10/09/2025
أنا امرأة أعمل في مؤسسة مختلطة، وأجد أن بعض زميلاتي يغِرن مني بسبب نجاحي في عملي أو بسبب ثقة الإدارة بي، وأحياناً أسمع منهن تعليقات جارحة أو إشاعات غير صحيحة أو محاولات للتقليل من جهدي. هذا الأمر يؤثر في نفسيتي ويجعلني متوترة في بيئة العمل. أشعر أحيانًا أنني لو رددت عليهن سأدخل في جدال لا ينتهي، وإذا سكتُّ أتألم داخليًّا. فكيف أتعامل مع غيرة النساء من حولي دون أن أفقد هدوئي أو أضيع حقي، وفي الوقت نفسه أظل محافظة على ديني ودعوتي كمسلمة؟
أختي الكريمة، بارك الله فيكِ على صدقك وصراحتك في عرض ما تشعرين به، فمشاعر الغيرة بين النساء أمر قديم ذكره القرآن، وبيّن كيف تعصف القلوب إذا لم تُضبط بالإيمان. فأنتِ لست وحدك في هذا البلاء، لكنك بفضل الله وُفّقت إلى أن تسألي الطريق الصحيح بدل الانجرار وراء ردود الأفعال.
الغيرة باب عظيم للشيطان
اعلمي أن الغيرة إذا لم تُضبط قد تكون بابًا عظيمًا للشيطان يزرع به العداوة والبغضاء. قال الله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾، والغيرة نوع من الحسد، وهي أول ذنب عُصي الله به في السماء حين حسد إبليس آدم عليه السلام، وأول ذنب عُصي الله به في الأرض حين حسد قابيل أخاه هابيل.
لكن الله أرشد المؤمن إلى طريق النجاة، فقال: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾. فالمطلوب منكِ أن ترتقي بإيمانك فلا تواجهي الغيرة بالغيرة، ولا الإساءة بالإساءة، بل بالصبر والحلم وحسن الظن بقدر ما تستطيعين.
وتأمَّلي سيرة أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، فقد وقع بينهن غيرة شديدة، ومع ذلك وجّههن الوحي إلى ضبط النفوس وإصلاح القلوب، حتى يظل البيت النبوي مدرسة في الطهر والصلاح. فهذا دليل أن الغيرة طبيعة بشرية، لكن المؤمن والمؤمنة يُؤمران بكبحها حتى لا تفسد القلوب.
وقد قال النبي ﷺ: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). فالمؤمنة الصادقة ترى نجاح أختها في العمل نجاحًا مشتركًا، لا خصومة تنافسية. فإن وجدت من غيرها غير ذلك، فهي على الحق ما دامت لم تنجر إلى نفس السلوك.
وأنتِ في عمل مختلط، ومسؤوليتك أعظم لأنك قدوة. فإذا رآكِ الرجال والنساء تتعاملين بوقار وصبر مع هذه المواقف، كنتِ داعية صامتة إلى الإسلام. ولا تنسي أن الناس يختبرونكِ في مثل هذه المواقف أكثر من أي خطبة أو موعظة.
خطوات العملية للتعامل مع الغيرة في العمل
وإليكِ أختي السائلة بعض الخطوات العملية للتعامل مع الغيرة في بيئة العمل:
1) استحضري أن الغيرة ابتلاء من الله لكِ، واختبار لصبركِ وإخلاصكِ، فلا تجعليها تفسد نيتكِ أو صفاء قلبكِ
2) التزمي الصمت أمام التعليقات الجارحة ما استطعتِ، فالصمت أحيانًا أبلغ رد. قال النبي ﷺ: (من صمت نجا).
3) اجتنبي مجالس الغيبة والشكوى المتكررة، وأفرغي طاقتك في عملك بجدية وكفاءة، فهذا وحده يثبت مكانتك.
4) بادري بلطف الكلمة والابتسامة البريئة لمن يسيء إليكِ، فإن القلوب تلين مع الزمن.
5) أكثري من الدعاء: (اللهم اكفنيهم بما شئت، اللهم طهر قلبي من الحقد والغل، واجعلني من المحسنين).
6) اجعلي نجاحك صدقة جارية: أكرمي زميلاتك بالمعرفة والخبرة، وشاركيهن من باب العطاء لا التفاخر.
7) تذكري أن رضا الله أعظم من رضا أي زميلة أو مدير، وأن الناس يتقلبون، أما الله فلا يضيع أجر المحسنين.
وأسأل الله ختامًا أن يسترنا وإياكنّ بستره، وأن يرزقكن الهدى والتقى والعفاف والغني.