الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : الدعوة النسائية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
30 - رقم الاستشارة : 2748
21/09/2025
أنا امرأة عاملة، أضطر يوميًّا إلى التواجد في بيئة مختلطة مع الرجال، وأحياناً أجد في داخلي حرجاً من هذا الوضع، لكنني مضطرة إليه لأجل إعالة أسرتي.
غير أنني أتساءل في نفسي: هل يمكن أن أجعل من عملي هذا وسيلة أُقرِّب بها الناس إلى الخير، بدلاً من أن يكون باب فتنة عليّ أو على غيري؟ وكيف أوفق بين كوني أُؤدي عملي بحرفية، وبين كوني أُظهر هُويتي الإسلامية وأكون قدوة صالحة؟
أرشدوني جزاكم الله خيراً.
أختي الكريمة، أثابك الله على صدق نيتك، وبارك لك في قلبك الحي الذي يسأل: (كيف أرضي ربي في عملي؟)، فهذا السؤال وحده نعمة عظيمة، ودليل توفيق من الله، قال تعالى: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88].
داعية بالقدوة والسلوك
أنتِ في مكانكِ لستِ مجرد موظفة تؤدي واجباتها، بل تستطيعين أن تكوني داعية صامتة بالقدوة والسلوك؛ فالدعوة ليست فقط كلمات على المنابر، بل هي أخلاق وسلوكيات تُترجم الإسلام واقعًا ملموسًا. والنبي ﷺ قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ». فإذا التزمتِ مكارم الأخلاق، فقد جسدتِ روح الإسلام في بيئة عملك.
المرأة المؤمنة في عملها ينبغي أن تجمع بين أمرين: أداء الواجب الوظيفي بإتقان، وإظهار سمت إسلامي فيه حياء ووقار. قال الله تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾؛ فالكلمة الطيبة، والحديث المهذب، والمعاملة الحسنة، هي أعظم أبواب الدعوة.
ثم تأمَّلي قول الله سبحانه: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ﴾. هنا يربط القرآن بين الدعوة بالقول، والعمل الصالح، وإعلان الهوية المسلمة. فأنت بدوامك على الصلاة في وقتها، وحرصك على الحجاب، وصدقك في العمل، وامتناعك عن الغيبة والمزاح المبتذل، تقولين عمليًّا: (إني من المسلمين).
ولا تغفلي أن أعظم الدعوة هي القدوة، وقديمًا قالوا: (حال رجل في ألف رجل، أبلغ من قول ألف رجل لرجل). فكيف إذا كانت هذه القدوة امرأة متزنة في بيئة يغلب عليها الانفتاح؟ إن أثرها يكون أعظم.
أختي المباركة، أنتِ لا تملكين أن تُغيّري كل من حولك دفعة واحدة، لكنك تملكين أن تحافظي على نفسك أولاً، وأن تلهمي غيرك من خلال ثباتك. كثير من النساء العاملات أصبحن سببًا في هداية أخريات فقط من خلال التزامهن الهادئ، وصبرهن، وابتساماتهن الصادقة المنضبطة، وأمانتهن في العمل.
العمل وسيلة دعوة
وهذه خطوات عملية لتحويل العمل إلى وسيلة دعوة:
1) اجعلي نيتك في كل صباح أن عملك عبادة، وأنك تسعين به لكفاية نفسك وأهلك، وخدمة مجتمعك بما يرضي الله.
2) حافظي على الحجاب والستر، فهو رسالة صامتة أقوى من ألف كلمة.
3) اجعلي كلامك في حدود الضرورة، وبأدب ووقار، فذلك يفرض احترامك على الجميع.
4) احرصي على أداء الصلاة في وقتها، حتى لو في مكان العمل، فهذا يذكرك ويذكّر من حولك بعبادة الله.
5) ابتعدي عن الغيبة والنميمة وأحاديث النساء المعتادة، وبدلاً منها أشغلي مجلسك بذكر نافع أو كلمة خير.
6) أظهري إتقانك في عملك، فالجدية والإخلاص في الأداء من أعظم صور الدعوة العملية.
7) كوني قدوة في الصبر عند الضغوط، والرحمة عند التعامل، والعدل عند الحكم على زميل أو موقف.
8) لا تنسي الدعاء الصامت لزملائك بالهداية والبركة، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن. بارك الله عمرك وعملك ونفع الله بك حيث كنتِ.