الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : الدعوة النسائية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
103 - رقم الاستشارة : 2396
17/08/2025
أنا أعمل في مؤسسة تضم عددًا من الرجال من إداريين ومديرين وغيرهم، وأرى بعض زميلاتي -وخصوصاً صديقة لي متزوجة- تتودد إلى بعضهم بالكلام اللين، والمزاح أحياناً، وربما تعتقد أن ذلك سبيلٌ لترقيتها الوظيفية أو لرفع درجتها، مع أني أستشعر أن هذا يقلل من شأنها. فما هو الهدي الصحيح للمرأة في تعاملها مع الرجال في بيئة العمل المختلط؟ وكيف أنصح صديقتي هذه برفق وحكمة حتى تلتزم بالهدي الشرعي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فمرحبًا بك أختي الكريمة، وبارك الله فيكِ على غيرتكِ وحرصكِ على الخير لصديقتك؛ فالنصيحة في هذا الباب من أعظم أبواب الأمانة، قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ واضطلاعك بهذه المسؤولية إنما هو قيام بصفة الأمة الخيرية، واسمحي لي أن أسوق إليكِ إجابتي في النقاط التالية:
أولاً: ضوابط المرأة في بيئة العمل المختلط
إن الإسلام لم يمنع المرأة من العمل إذا احتاجت إليه أو احتاج إليها المجتمع، ولكنه وضع ضوابط شرعية تحفظ كرامتها وتصون عفتها، من أهمها:
1) غض البصر وصيانة السمع والقلب: قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ • وَقُل لِّلْمُؤْمِنَٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾.
2) الجدية في الحديث دون خضوع بالقول: قال الله تعالى في خطاب نساء النبي ﷺ وهن القدوة: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾.
3) الابتعاد عن الخلوة والمزاح المريب: فقد قال النبي ﷺ: «إيَّاكُمْ والدُّخُولَ علَى النِّساءِ» فقال رجلٌ من الأنصارِ: يا رسولَ اللَّهِ، أفرأيتَ الحموَ؟ قال: «الحموُ الموتُ»، وهذا يدل على شدة التحذير من القرب الزائد الذي يفتح أبواب الفتنة.
4) الحرص على الستر والوقار: قال تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾.
5) التقوى أساس النجاح: فالتقوى لا تجلب فقط رضا الله بل تحفظ مكانة المرأة بين زملائها، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا • وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
ثانيًا: نصيحة لصديقتك
أختي، عليك أن تُخبري صديقتكِ أن كرامة المرأة وعفتها هي أعظم وسيلة لرفع شأنها، وأن التودد للرجال بالكلام أو المزاح لا يزيدها إلا خَسارًا في أعينهم، وإن ظنّت أنه طريق للترقي.
وقد قال النبي ﷺ: «استحيوا من الله حق الحياء» والحياء لا يعني الضعف، بل هو قوة ورفعة، كما قال ﷺ: «الحياءُ لا يأتي إلَّا بخيرٍ» ، وذكّريها أن الرزق والترقية بيد الله وحده، وأن من التمس رضا المخلوق بسخط الخالق خسر الدنيا والآخرة، بينما من اتقت الله رفعها الله في أعين خلقه، وألقى محبتها في القلوب.
ثالثًا: كيفية الدعوة برفق
• لا تواجهيها باللوم المباشر، بل قولي لها: أخية، والله لا أراكِ إلا أكبر وأشرف من أن يراكِ أحد في موقف يُقلّل من قدرك، فأنتِ قدوة، وزوجك وأهلك أولى أن يفتخروا بكِ عفيفة مصونة.
• ذكّريها أن كل كلمة تُقال تُكتب، قال تعالى: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.
• اجعلي نصيحتكِ مزيجًا من الاحترام والتقدير، حتى تتقبلها بروح طيبة.
وأختم ردي عليكِ أختي السائلة برسالة يمكنك أن ترسليها لصديقتك، وهي على النّحو التالي:
أختي الغالية… السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، أكتب إليكِ من محبة صادقة، وحرص عليكِ كأخت قبل أن أكون زميلة في العمل. والله يا غالية ما حملني على هذه الكلمات إلا محبتي لكِ وخوفي عليكِ من أن يضيع شيء من قدرك ومكانتك عند الله وعند الناس.
أختي، إن المرأة في الإسلام جوهرة مصونة، وزينتها الحقيقية ليست في كثرة توددها أو ضحكاتها أو لين حديثها مع الرجال، وإنما زينتها في عفتها وحيائها ووقارها. قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌ﴾ ورزقكِ الذي تطلبينه، سواء ترقية أو تقدير أو مكانة، لن ينقصه أن تمسكي لسانك عن المزاح الزائد أو التودد، بل على العكس: من يتق الله يرفعه الله، قال سبحانه: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ وتذكري قول النبي ﷺ: «الحياءُ لا يأتي إلَّا بخيرٍ» فكلما زاد حياؤكِ وعفافكِ زاد الله قدرك في القلوب، وألقى لكِ المهابة والاحترام في النفوس.
يا حبيبة القلب، نحن نعمل في بيئة مختلطة شاءت الظروف ذلك، لكننا نستطيع أن نثبت أننا نحمل دينًا وقيمًا وحياءً، وأننا لا نبيع وقارنا من أجل دنيا زائلة أو منصب فانٍ.
كوني قدوة في وقاركِ وكلامكِ الجاد، وثقي أن الله سيجعل بركة في رزقكِ وتقديركِ أكثر مما تظنين، وأنكِ ستظلين شامخة في عين زوجك وأهلك، محفوظة الكرامة بين زملائك.
وأسأل الله أن يفتح لكِ أبواب الخير، وأن يحفظكِ من كل سوء، وأن يجعل عملكِ خالصًا لوجهه، ويرزقك رزقًا طيبًا مباركًا من حيث لا تحتسبين.