الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : الدعوة النسائية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
62 - رقم الاستشارة : 2768
23/09/2025
أنا امرأة متزوجة أعمل في مؤسسة يكثر فيها الرجال، ومع أنني حريصة على الحجاب والالتزام، إلا أنني أتعرض أحيانًا إلى مضايقات من بعض الزملاء، سواء بكلمة فيها مزاح غير لائق، أو نظرة تحمل معنى غير مريح، وأحيانًا بمحاولات للتقرب الزائد أو كسر الحواجز. وهذا الأمر يؤذيني كثيرًا ويجعلني أشعر بالحرج، بل وأحيانًا بالخوف من أن يؤثر ذلك على ديني ووقاري.
كيف يمكنني أن أتعامل مع هذه المواقف بحكمة، من غير أن أخسر عملي أو أظهر بمظهر المتشددة، ومن غير أن أسمح لنفسي أن أضعف أمام مثل هذه الفتن؟
أختي السائلة الكريمة، أسأل الله أن يحفظك بحفظه، وأن يصونك برعايته، وأن يجزيك خيرًا على حرصك على دينك وعفافك. إن ما تشعرين به من انزعاج وحرج دليل على حياة قلبك، وإدراكك لخطورة هذه المضايقات، وهذا في حد ذاته نعمة عظيمة من الله. فالكثير من الناس يعتادون على المنكر حتى لا يعودوا يستنكرونه، أما أنت فما زلت تشعرين بقلق وخوف من أن يمسّ دينك ووقارك، وهذا خير عظيم قال فيه النبي ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ».
الستر والحياء
اعلمي أن الإسلام أعطى المرأة مكانة عظيمة، ورفع من قدرها، وأمرها بالستر والحياء، وأمر الرجال بغض البصر، فقال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾، ثم قال بعدها مباشرة: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾، فحماية المجتمع من الفتنة مسؤولية مشتركة، وأنت حين تتمسكين بالحياء والستر، إنما تطيعين ربك أولاً، ثم تحمين نفسك ثانيًا.
واعلمي -أختي الكريمة- أنّ بعض الصحابيات قد تعرّضن لمواقف مشابهة من المضايقات، فكنّ يجدن في ذلك ابتلاءً وصبرًا، كما في قصة نزول آية الحجاب حين كان بعض الفسّاق يتعرضون للإماء، فنزل قوله تعالى: ﴿يَـأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ فجعل الله الحجاب والوقار سبيلاً لرفع الأذى والتمييز بالعفة.
الصبر والثبات
ثمّ إن وقارك وصبرك وثباتك على الحق، سيكون بحد ذاته رادعًا لمن يحاول مضايقتك. فالرجل حين يرى امرأة حازمة في دينها، متزنة في كلامها، متحفظة في علاقاتها، لا يجد ثغرة ينفذ منها. أما إذا رأى تهاونًا في الكلمة أو ابتسامة زائدة أو مجاملة مائعة، فإنه يتمادى ويسترسل.
واعلمي أن الصبر على مثل هذه الابتلاءات فيه أجر عظيم، فإن النبي ﷺ قال: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». فإذا احتسبتِ صبرك على هذه المضايقات، كان لك بها رفعة عند الله وتكفير للذنوب.
التعامل مع المضايقات
واسمحي لي أن أقدّم لكِ ولكل أخت تتعرض لمثل هذا، بعض الخطوات العملية للتعامل مع المضايقات:
1) اجعلي قلبك متعلقًا بالله وحده، واستحضري نيتك كل يوم أن عملك عبادة وابتغاء وجه الله، لا مجرد وظيفة.
2) التزمي باللباس الشرعي الكامل والوقار في الهيئة، فهذا يردع كثيرًا من ضعاف النفوس.
3) كوني حازمة من غير فظاظة: أجيبي على قدر السؤال، وابتعدي عن المزاح أو الاسترسال في الكلام.
4) إذا شعرتِ بمحاولة تجاوز من أحد، فاقطعيها مباشرة بكلمة واضحة رصينة: أرجو أن نتحدث في إطار العمل فقط، فهذا يُشعره بالجدية.
5) حاولي قدر الإمكان أن تكون علاقاتك في بيئة العمل رسمية، ولا تختلي برجل أو تجلسي معه منفردة.
6) في حال تكرار المضايقات، يمكنك التلويح برفع الأمر إلى المسؤول المباشر، فهذا أسلوب رادع يحفظ مكانتك.
7) أكثري من ذكر الله وقراءة القرآن في وقت فراغك، فإن القلب العامر بذكر الله يحصنه من الضعف.
8) صاحبي من النساء الصالحات في العمل، فإن الرفقة الطيبة تعينك على الثبات، وتمنحك الأمان والراحة.
9) اجعلي كل موقف تتعرضين له درسًا في الصبر والقوة، واستحضري دائمًا أنك في امتحان مؤقت، والنتيجة أجر عظيم عند الله.
وأخيرًا ندعو الله تعالى: اللهم احفظ نساء المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصن أعراضهن، وزكّ نفوسهن، وبارك في أعمالهن وأعمارهن، واجعل صبرهن رفعة في الدنيا والآخرة، واجعل أماكن عملهن بيئات أمان وخير لا فتنة وشر، وأعنهن على طاعتك وحسن عبادتك.
روابط ذات صلة: