الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : الدعوة النسائية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
37 - رقم الاستشارة : 2682
13/09/2025
أنا امرأة عاملة في بيئة يغلب عليها الرجال والنساء من خلفيات مختلفة، وأحرص على ارتداء حجابي الشرعي كما أمرني الله تعالى، غير أنني أتعرض لتعليقات متكررة من بعض الزميلات أو الزملاء حول حجابي ولباسي، كأن يقولوا إنني متشددة أو إن حجابي غير مناسب للعمل العصري.
هذه الكلمات تترك في نفسي شيئًا من الاضطراب، وأحيانًا أشعر برغبة في التخفف من بعض الضوابط حتى أندمج أكثر مع بيئة العمل، مع أنني أعلم يقينًا أن الحجاب فريضة لا تهاون فيها.
كيف أستطيع أن أثبت على الحجاب في عملي دون أن أشعر بالحرج أو العزلة، ودون أن يؤثر ذلك على ثقتي بنفسي أو على مسيرتي المهنية؟
ابنتي الكريمة، أثابك الله على غيرتك على دينك، وعلى صدقك في طرح ما يدور في قلبك، فمثل هذه التساؤلات لا يطرحها إلا قلب حيّ يخشى أن يضعف أمام ضغوط الواقع. ولتعلمي أن ابتلاء المؤمن بانتقادات الناس أمر طبيعي، فالمؤمن يسير عكس التيار في كثير من الأحيان، وهذه الفتنة التي تجدينها في ضغط الزملاء وكلماتهم ليست إلا امتحانًا لصبرك وثباتك، وهي سنة الله في كونه على كل حال.
الحجاب عبادة قلبية وجسدية
الحجاب -أختي الكريمة- ليس مجرد زي، بل هو عبادة قلبية وجسدية معًا، هو مظهر لطاعة الله، وستر وصيانة للمرأة، ورفع لشأنها. وقد أمر الله به المؤمنات في نصوص صريحة لا تحتمل التأويل، فقال سبحانه: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾.
فالحجاب إذن ليس قيدًا على المرأة؛ بل هو حمايتها وصيانتها، وهو أيضًا تعريف لها بهويتها كمسلمة عفيفة.
ثم تأملي أختي السائلة في قول النبي ﷺ: «الحياء شعبة من الإيمان»، والحجاب مظهر من مظاهر الحياء، والحياء لا يجرّ على صاحبه إلا الخير. ومن أرادت القبول عند الله والقبول عند الناس العقلاء، فإنها تجد ذلك في التمسك بما أمر الله، لا في مجاملة أذواق الناس أو الركض خلف رضاهم.
الثقة في الله
قد تقولين: أخشى أن يؤثر ثباتي على علاقتي بزملائي أو على ترقيتي المهنية. فأقول لك: ثقي أن الله لا يضيع عبدًا قدّم رضاه على رضا غيره. ألم يقل سبحانه: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ فإذا اتقيت الله في حجابك، فإن الله سيفتح لك أبواب رزق ونجاح لم تخطر لك على بال.
واعلمي أن من يحترمك بحق هو من يحترم دينك وخياراتك، أما من يسخر من التزامك فليس أهلاً لأن يشكل معيارًا لك أو مقياسًا لنجاحك. إن التنازل عن المبدأ لا يجلب الاحترام بل يضعفه، أما الثبات على الحق فإنه مع مرور الزمن يفرض احترامه حتى على الخُصُوم.
ومن الناحية الواقعية، أنت لست مطالبة بأن تعزلي نفسك في العمل أو أن تدخلي في جدال طويل مع كل من يعلق على حجابك. يكفي أن تكوني هادئة، واثقة، مهذبة في ردك، وأن تجعلي عملك المتقن وأخلاقك الطيبة هي رسالتك الأبلغ. فإذا رأوا أنك تجمعين بين الجدية والالتزام، أدركوا أن حجابك ليس عائقًا بل هو مصدر قوة ورصانة.
خطوات عملية للثبات
وتلك بعض الخطوات العملية التي أنصحكِ بها للثبات والراحة النفسية في بيئة العمل:
1) استحضري نية العبادة في ارتداء الحجاب كل صباح، ليكون لبسك طاعة وقربة، لا مجرد عادة.
2) اجعلي الحجاب جزءًا من هويتك، فلا تشعري أنه عبء تحتاجين لتبريره، بل هو شرف تفخرين به.
3) لا تسترسلي مع التعليقات السلبية، بل اكتفي برد قصير مهذب يبين أن الأمر دين وعبادة لا نقاش فيه.
4) ابحثي دائمًا عن صديقة صالحة أو رفيقة ملتزمة في العمل أو خارجه تعينك على الثبات.
5) داومي على الدعاء الذي كان النبي ﷺ يكثر منه: «يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك».
6) عوّدي نفسك على أن تكوني قدوة بالخلق والعمل المتقن، فهذا يجعل الآخرين ينظرون إليك باحترام.
7) اقرئي سير الصحابيات والتابعيات، لترين كيف واجهن التحديات في زمنهن بثبات وصبر.
8) اجعلي لنفسك وقتًا ثابتًا من القرآن والذكر، فهذا يمدك بالطمأنينة الداخلية التي تحصنك من ضغوط الناس.
وأسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يجعل حجابك نورًا لك في الدنيا والآخرة، وأن يحفظك من فتنة القول والعمل، وأن يبارك لك في عملك ويجعله باب رزق حلال مبارك، لا باب ضعف أو تنازل. اللهم احفظ نساء المسلمين بحفظك، وزيّنهن بلباس التقوى، وأكرمهن بالحياء والعفاف، وارزقهن الثبات على الدين، وامنحهن النجاح في بيوتهن وأعمالهن ودعوتهن.