مِزاحي مع الزملاء في العمل يقلقني

Consultation Image

الإستشارة 15/09/2025

أنا امرأة متزوجة أعمل في مؤسسة يغلب عليها الرجال من إداريين وزملاء ورؤساء، وأحياناً أجد نفسي أتحدث أو أضحك معهم بشكل قد يكون فيه تجاوز أو خفة، وأحيانًا أبرر ذلك بأنه يسهّل عليّ قضاء شؤون العمل، أو أنه من باب المجاملة الطبيعية، لكنني بعد ذلك أشعر بالقلق والذنب، وأخاف أن أكون قد أخطأت بحق ديني أو نفسي أو زوجي. فهل يعدّ هذا المزاح أو التودد محرّماً؟ وكيف أستطيع أن أضبط سلوكي في عملي حتى لا أقع فيما يغضب الله مع كوني مضطرة للتعامل معهم؟

الإجابة 15/09/2025

أختي الكريمة، أسأل الله -ابتداءً- أن يشرح صدرك للحق ويثبتك عليه، وأن يجزيك خيرًا على صراحتك وشعورك بالذنب، فهذا دليل على حياة قلبك وخوفك من الله. وما دمتِ تشعرين بالقلق وتبحثين عن الصواب، فاعلمي أن الله يريد لك الخير، وقد قال سبحانه: ﴿وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾.

 

حدود العلاقة في العمل

 

أيتها السائلة الكريمة: الأصل في علاقة المرأة بالرجل الأجنبي أنها علاقة قائمة على الاحترام والحاجة العملية فقط، بلا تجاوز في الحديث أو الخضوع في القول أو خفة في التصرف. وقد قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32]. فالمزاح الزائد أو الضحك المفرط يفتح أبوابًا للفتنة ويكسر حاجز الحشمة، حتى وإن كان في ظاهره بريئًا.

 

كما أن النبي ﷺ لما سُئل عن أكثر ما يُدخل الناس النار، قال: «الفمُ والفَرجُ». ومن أعظم ما يُبتلى به اللسان الانزلاق في كلام لا حاجة له، يجرّ صاحبه إلى ما لا يرضي الله. وليس من المروءة ولا من كرامة المرأة أن تبتذل نفسها في أحاديث ومزاح مع رجال أجانب عنها، بل كرامتها في عفتها ورزانتها وهيبتها.

 

واعلمي يا أختي أن ما تتصورينه ((مجاملة)) لا يزيد قدرك عند الناس، بل على العكس قد يضعف مكانتك، ويجعل البعض يظن بك ما لا يليق. أما حين تكونين جادة، رصينة، مهذبة، متعاونة في حدود الحاجة، فإن ذلك يرفع من قدرك في عيونهم، ويجعلك قدوة محترمة، وهو أعظم بكثير من أي مكسب وقتي قد تظنينه في التودد أو المزاح.

 

والمرأة المؤمنة لا تبحث عن رضا المخلوق بسخط الخالق، بل ترجو ما عند الله، وتستحضر قول النبي ﷺ: «من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس». فإذا ضبطت كلامك وتعاملاتك ابتغاء وجه الله، فإن الله يلقي محبتك واحترامك في قلوب الناس من حيث لا تشعرين.

 

أختي، صدقيني: العمل لا يحتاج إلى مجاملات زائدة أو مزاح، بل يحتاج إلى كفاءة ولباقة بحدود الأدب الشرعي. وكلما كنتِ أقوى في التزامك، وأكثر التزاماً بوقارك، ازداد احترامك، وقلت تعليقات الناس عليك.

 

خطوات لضبط التعامل في العمل

 

وإليكِ بعض الخطوات العملية لضبط التعامل:

 

1) استحضري النية أن كل كلمة تقولينها ستكون محسوبة عليك أمام الله يوم القيامة.

 

2) اجعلي كلامك في العمل مقتصرًا على الحاجة وبقدر الضرورة، بلا خضوع ولا مبالغة.

 

3) إذا اضطررت إلى الحديث مع الرجال، فليكن صوتك هادئًا وقورًا، بعيدًا عن المزاح أو الضحك.

 

4) عوّدي نفسك على استبدال المزاح بالابتسامة الرصينة أو الرد المختصر اللطيف.

 

5) استشعري مسؤوليتك تجاه زوجك وأهلك، فكرامتك أمانة في عنقك.

 

6) تجنبي الخلوة أو الجلوس الطويل بلا حاجة، وارفعي مكانتك بالجدية والإتقان.

 

7) اجعلي لك من الذكر والاستغفار وردًا يوميًّا، فإنه يطهّر قلبك ويقويك على الثبات.

 

8) تابعي قصص الصحابيات وأمهات المؤمنين في وقارهن وعفتهن، لتجدي فيهن قدوة عملية.

 

وختامًا نسأل الله تعالى أن يرزق نساءنا العفة والستر، اللهم اجعل هذه الأخت وزميلاتها ثابتات على الحق، محصنات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل وقارهن زينة، وأخلاقهن دعوة، وأعمالهن بركة، واحفظهن لأزواجهن وأهلهن، وبارك لهن في دينهن ودنياهن وآخرتهم.

 

روابط ذات صلة:

حفظ قلب المرأة في بيئة العمل

كيف تحفظ المسلمة كرامتها في بيئة العمل المختلط؟

الرابط المختصر :