23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 30/01/2025

أخي المستشار الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أتساءل كثيرا هل من تأصيل علمي ودعوي وديني لفقه النجاح في الحياة والتميز في التعليم والتعلم فأرجو إن كان من تأصيل لهذا الأمر من المنطلق الديني وما يترتم عليه من آثار سلوكية في الحياة خدمة للأمة ورفع لشأنها بين الأمم فأرجو أن تعطونا ولو بشيء يسير ما جاء في تأصيل الدين لفكرة التميز والنجاح حتى يتعلم أولادنا وحتى نربي الجيل الناشئ على التميز من باب التعبد لله تعالى، وشكرا جزيلا.

الإجابة 30/01/2025

أيها المسلم الملهم المبدع:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فشكرًا لك أخي الكريم على هذا السؤال المهم، الذي يعكس الوعي العميق بأهمية ربط النجاح والتميز في الحياة بالدين كعبادة لله تعالى.

 

واعلم -أخي الملهم المبدع- بأنّ الإسلام دين شامل لا يفصل بين العبادة والعمل الدنيوي؛ بل يدعو إلى التميز والنجاح في كافة مجالات الحياة باعتبارها جزءًا من تحقيق العبودية لله وإعمار الأرض، وتحقيقًا لمُراد الله من إنشائنا في هذه الأرض، قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، ومساهمةً منا في تميز أبنائنا وبناتنا إليك هذا التأصيل الشرعي والدعوي لفقه النجاح والتميز في الحياة، وذلك على النحو التالي:

 

أولًا: التأصيل الشرعي لفكرة النجاح والتميز

 

- في القرآن الكريم: لقد امتلأ صفحات كتاب الله المجيد بالعديد من الآيات الداعمة لفكرة النجاح، من ذلك قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} (النجم: 39-40)؛ فهاتان الآيتان تؤكدان على قيمة العمل والاجتهاد وارتباط النجاح بالسعي الدؤوب.. وقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11) فقد رفع الله شأن أهل الإيمان والعلم؛ ما يدل على أن التميز في العلم جزء من رفعة الإنسان في الدنيا والآخرة.

 

- وفي السنة النبوية، قال رسول الله ﷺ: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، والحديث يؤصل لفكرة الإتقان في كل مجالات الحياة، وهو مفتاح التميز. وقال ﷺ: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز" (رواه مسلم)؛ فالحديث يدعو إلى الاجتهاد والاعتماد على الله، مع السعي لتحقيق النجاح وعدم الركون للعجز، أو القبول بالفشل.

 

ثانيًا: أسس النجاح والتميز من منظور دعوي وتربوي

 

1. النية الصالحة: وينشأ ذلك بتحويل التعلم والعمل إلى عبادة لله تعالى بنية إعمار الأرض وخدمة الأمة، واستحضار النية الصالحة يجعل التميز في الحياة عبادة يؤجر عليها الإنسان.

 

2. الاجتهاد والإتقان: فالعمل الجاد والمثابرة أساس النجاح، وعلى المسلم أن يحرص على إتقان عمله كما هو مأمور شرعًا.

 

3. التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، من منطلق (اعقلها وتوكل)؛ فالجمع بين الاعتماد على الله والأخذ بالأسباب هو الطريق المتوازن للنجاح.

 

4. الانضباط وتنظيم الوقت: فإنّ الإسلام يدعو إلى احترام الوقت وتنظيمه؛ قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (العصر: 1-2) وذاك قسم بالوقت؛ وما ذاك إلا لدلالة أهميته وعظمته، ومن المعلوم: أن العظيم إذا أقسم بشيء دلّ على عظمته.

 

5. الاستمرارية وعدم اليأس: وليعلم كل طموح أنّ النجاح ليس لحظة واحدة، بل يحتاج إلى صبر واستمرارية، وقد ثبت أنّ أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ.

 

6. التميز الأخلاقي: إن النجاح الحقيقي هو الذي يجمع بين التفوق العلمي أو العملي والسلوك القويم.

 

ثالثًا: الآثار السلوكية للنجاح والتميز في الحياة

 

        1.     خدمة المجتمع: فالشخص المتميز يسهم في بناء مجتمعه وتقدمه.

 

        2.     تحقيق القدوة: حيث يصبح المسلم الناجح قدوة حسنة في محيطه؛ ما يعزز القيم الإسلامية عمليًّا.

 

        3.     رفع شأن الأمة: فالإسلام يدعو إلى أن تكون الأمة قوية ومتفوقة بين الأمم، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (الأنفال: 60).

 

        4.     الرضا والسعادة: إنّ النجاح يولد شعورًا بالرضا النفسي والسعادة التي تنعكس إيجابيًّا على حياة الإنسان.

 

رابعًا: وصايا عملية لتربية الناشئة على فقه النجاح والتميز

 

        1.     غرس حب التعلم كعبادة: بحيث نعلّم أولادنا أن طلب العلم عبادة يؤجرون عليها.

 

        2.     توجيه النية: وذلك من خلال توجيه النشء إلى تحويل أهدافهم الدنيوية إلى نوايا خالصة لله.

 

        3.     تعليم قيم الاجتهاد والمثابرة، وتشجيعهم على الصبر والاستمرارية في تحقيق أهدافهم.

 

        4.     التقدير والتحفيز: من خلال مكافأة المتميزين وتحفيزهم للاستمرار في التفوق، وهو أمر يثمر همّة وحركة وتفاعلاً ونجاحًا.

 

        5.     التربية بالقدوة: من خلال تقديم نماذج إسلامية ناجحة من الصحابة والعلماء كقدوة لهم.

 

        6.     تنمية روح التعاون، وتعليمهم أن النجاح لا يعني التفرد، بل المشاركة في الخير مع الآخرين.

 

وختامًا: فإن فقه النجاح والتميز جزء أصيل من المنهج الإسلامي الذي يدعو إلى البناء والإصلاح في الدنيا والآخرة.

 

نسأل الله أن يجعلنا وإياك من دعاة الخير والتميز، وأن يوفق أبناءنا وشبابنا لخدمة دينهم وأمتهم في كل مجالات الحياة.