الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
217 - رقم الاستشارة : 818
27/01/2025
السلام عليكم ورحمة الله بحُكم عملي في الدعوة، أجد عددًا من الدعاة يختلط بالنساء، وربما يتساهل في هذ الأمر، وكذا العكس وخاصة في المؤسسات القائمة بذلك فضلاً عن المنظومة الإعلامية بشكل أو بآخر، وربما يعتقد البعض أنه أمر ضروري لإثبات يسر الإسلام وعدم تشدده. والسؤال: هل هناك ضوابط تتعلق بقضية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بين الجنسين؟ يعني هل أنا كداعية ذَكر كيف أدعو النساء؟ وكيف تدعو المرأة أيضًا الرجال؟ هل هناك ضوابط شرعية تحكم هذه المسألة؟ وكيف ننظم مسألة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بين الذكور والإناث؟
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد الدعاة وإمام الهُداة، وبعد:
فمما لا شكّ فيه أنّ الدعوة إلى الله من أشرف المقامات وأرقاها، ويكفي دليلاً على ذلك ما ورد في كتاب الله تعالى، حيث كان الاستفهام الذي يعني النفي، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾؟ والجواب: لا أحد..
ولشرف الدعوة يجب أن تكون الوسائل والأساليب شريفة بشرف الدعوة.
كما يجب العلم بأن قضية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بين الجنسين لها ضوابط شرعية يجب مراعاتها؛ لتتم الدعوة وفق منهج الإسلام القائم على الحشمة والوقار وصيانة الأعراض. هذه الضوابط مستمدة من الكتاب والسنة، وتهدف إلى تحقيق الهدف السامي للدعوة مع تجنب الوقوع في المحاذير الشرعية.
وإني أوقن بأن هناك ما يشبه المصائب في حركة بعض الدعاة والداعيات، وإليك -أخي السائل- طرفًا من تلك الضوابط الشرعية للدعوة بين الجنسين:
1. الإخلاص لله تعالى في الدعوة: فالدعوة إلى الله عبادة؛ لذا ينبغي أن يكون الداعية مخلصًا في عمله، قاصدًا وجه الله، لا رياءً ولا سمعة.
2. الالتزام بالحشمة والوقار:
فيلزم الرجال عند دعوة النساء: أن تكون الدعوة بطريقة تليق بمقام الرجل المسلم الملتزم، فلا يكون فيها خضوع بالقول أو خلوة أو أي شيء يثير الفتنة.
قال تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ (الأحزاب: 32).
وكذا يلزم النساء عند دعوة الرجال: أن تكون الدعوة بضوابط الحجاب الشرعي، مع التزام الجدّية في الحديث وتجنب التميع أو الزينة اللافتة.
3. تجنب الخلوة:
فلا يجوز أن تتم الدعوة في مكانٍ ينفرد فيه الرجل بالمرأة، سواء في لقاء مباشر أو عبر وسائل الاتصال (كالرسائل الخاصة أو المكالمات)؛ لأن النبي ﷺ قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" (رواه الترمذي).
4. الاقتصار على قدر الحاجة:
على أن تكون الدعوة بين الجنسين بقدر الحاجة، دون إطالة أو التوسع في الكلام الذي لا يتعلق بموضوع الدعوة.
5. استخدام وسائل الدعوة العامة:
• يُفضل أن تكون الدعوة بين الجنسين في أماكن عامة كالمساجد، أو عبر وسائل عامة مثل المحاضرات، الدروس، أو المواد المرئية والمكتوبة، بحيث يستفيد الجميع دون تعريض النفس أو الآخرين للفتنة.
6. مراعاة طبيعة المرأة:
فعلى الداعية أن يدرك خصوصية المرأة واحتياجاتها النفسية والاجتماعية، مع تقديم الدعوة بما يتناسب مع تلك الخصوصية.
ومن الأفضل أن يكون دعوة النساء عبر داعيات نساء، تفاديًا لأي مخالفة أو فتنة.
7. التوازن في الأسلوب:
حيث يجب تجنب اللين الزائد الذي قد يُفهم على غير مراده، وفي نفس الوقت الابتعاد عن الغلظة المفرطة؛ لأن الدعوة إلى الله تحتاج إلى الحكمة والموعظة الحسنة، كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ﴾ (النحل: 125).
8. استشارة العلماء وأهل الخبرة:
كما في الأمور التي قد تكون محل شبهة أو خلاف، يُستحب استشارة العلماء الربانيين للوصول إلى الموقف الصحيح.
وأختم تلك الاستشارة لك ولغيرك بتنظيم الدعوة بين الجنسين، على النحو التالي:
1. إعداد فرق دعوية متخصصة:
• يتم فصل فرق الرجال عن النساء في الأنشطة الدعوية.
• تخصيص داعيات لدعوة النساء لتجنب أي محظور شرعي.
2. استعمال الوسائل التقنية:
• يمكن نشر الدعوة بين الجنسين من خلال الوسائل الحديثة مثل الكتب، المقالات، الصوتيات، المرئيات، ووسائل التواصل الاجتماعي، مع مراعاة الضوابط الشرعية في هذه الوسائل.
3. الأنشطة الجماعية:
• إذا كان هناك نشاط دعوي مشترك، مثل محاضرات أو ندوات، يجب الفصل بين الجنسين مكانيًّا، أو عبر وسائل مرئية مع الالتزام بالآداب الشرعية.
4. التثقيف بالدعوة الشرعية:
• تثقيف الداعيات والدعاة بالضوابط الشرعية وأهمية الالتزام بها، لضمان ألا تتحول الدعوة إلى فتنة بدلاً من إصلاح.
ونوجز ما سبق ببيان أن:
الدعوة إلى الله بين الجنسين ممكنة وضرورية، ولكنها تحتاج إلى وعي عميق بالضوابط الشرعية، والالتزام بسد أبواب الفتنة. وإذا تيسر أن يتولى كل جنس دعوة جنسه، فهذا هو الأصلح والأقرب إلى تحقيق مقاصد الشريعة وحفظ الأعراض.
نسأل الله تعالى أن يؤمننا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا سببًا لهداية خلقه ودلالتهم عليه.