الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
67 - رقم الاستشارة : 1507
04/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب مسلم أحرص على فهم ديني بشكل صحيح، وأسعى إلى الالتزام بتعاليمه، لكن هناك أمر يشغلني وأجد أن الحديث عنه قليل في الأوساط الدينية، رغم أهميته وتأثيره المباشر على الشباب والمجتمع.
لاحظت أن بعض القضايا الحساسة، مثل الثقافة الجنسية في الإسلام، يتم تجنبها من قبل كثير من الدعاة والمصلحين، وكأنها مواضيع محرمة، مع أن الشباب يعانون من انفجار في الشهوات والمغريات من كل جانب، دون أن يجدوا توجيهًا دينيًا كافيًا يساعدهم على التعامل معها بشكل صحيح.
هل الإسلام فعلاً أغفل هذه القضايا؟
ولماذا يتحاشى بعض الدعاة مناقشة هذه الأمور؟ وما الأسلوب الصحيح الذي يمكن أن يُطرح به هذا الموضوع بحيث يحافظ على الحياء والأدب، وفي الوقت نفسه يقدم حلولًا عملية ومناسبة للواقع؟
وكيف يمكن أن نساعد الشباب في تحقيق التوازن بين الالتزام الديني والتعامل مع هذه الغرائز الفطرية؟
مع الشكر.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته –أخي الفاضل- ومرحبًا بك، وشكرًا لك على تواصلك معنا، ونسأل الله أن يرزقك الحكمة والبصيرة، وأن يجعلك من عباده المخلصين الذين يسعون إلى فهم دينهم والعمل به على بصيرة، وبعد...
فإن الإسلام لم يكن يومًا ما دينًا كهنوتيًّا يتجاهل واقع الحياة، ويترك ما يتطلبه هذا الواقع من بيان وتشريع وإرشاد للصواب والنافع؛ بل هو دين شامل، لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووضع لها حكمًا وضوابط، وذلك عن طريق الوحيين: القرآن والسنة، إما عبر قواعد وأصول عامة أحيانًا يترك لنا التحرك والاجتهاد داخلها، وهذا أغلبه في القرآن، مع تفصيل واسع في بعض القضايا، وإما عبر بيان مفصَّل لكل جوانب الحياة، وهذا أغلبه في السنة المطهرة، وقد قال عز وجل: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 38]، وقال: ﴿وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡیَٰنًا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِینَ﴾ [النحل: 89]. وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «ما بقي شيءٌ يقرِّب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم» [رواه الطبراني وصححه الألباني].
هل الإسلام أغفل القضايا الجنسية؟
بكل تأكيد، لم يغفل الإسلام هذه القضايا؛ بل تناولها بأسلوب حكيم يجمع بين الحياء والتوجيه الصحيح. وقد كان النبي ﷺ يجيب عن الأسئلة المتعلقة بهذا الجانب بصراحة وبأدب في الوقت نفسه، كما جاء في حديث أم سليم رضي الله عنها، حيث قالت: «يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟» فقال النبي ﷺ: «إذا رأت الماء» [رواه البخاري]. فهذا الحديث يبين أن الحياء ينبغي ألا يمنع المسلم من طلب العلم الشرعي فيما يحتاجه.
لماذا يتحاشى بعض الدعاة الحديث عن هذه القضايا؟
يرجع إحجام بعض الدعاة عن تناول هذه القضايا إلى عدة أسباب، منها:
1- الخوف من ردود فعل المجتمع: فبعض المجتمعات تتبنى تقاليد تُضفي طابع التحريم على الحديث عن هذه المسائل؛ رغم أن الإسلام لم يحرم ذلك.
2- الخجل المفرط: حيث يظن بعض الدعاة أن الحديث في هذه الأمور يتنافى مع الحياء، متناسين أن الحياء لا يمنع من قول الحق.
3- غياب التأهيل المناسب: فبعض الدعاة لم يتدربوا على كيفية تناول هذه القضايا بأسلوب شرعي حكيم، مما يجعلهم يتجنبونها خشية الوقوع في الحرج.
كيف تناول الإسلام هذه القضايا؟
الإسلام تعامل مع هذه الموضوعات بأسلوب متوازن بين الصراحة والحياء، فقد كان النبي ﷺ يستخدم الكناية عند الحديث عن الأمور الحساسة، كما في قوله: «لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول»، قيل: وما الرسول؟ قال: «القبلة والكلام» [رواه أحمد]. كما أنه ﷺ نهى عن الفحش والتفحش في الحديث، وأمر باستخدام الأساليب المهذبة عند تناول هذه القضايا.
أهمية تقديم حلول عملية للشباب
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الدعاة أنهم يكتفون بطرح الحلول التقليدية مثل الزواج أو الصيام، دون تقديم حلول واقعية تناسب ظروف العصر. فلا يكفي أن يُقال للشاب الذي يعاني فتنة الشهوات: «عليك بالصيام»، دون أن يُقدم له برنامجًا متكاملًا يساعده على ضبط نفسه، ويعينه على توجيه طاقاته بشكل صحيح.
ومن وسائل القيام بهذا الواجب دعويًّا ومجتمعيًّا:
1- إعادة بناء الوعي الشرعي: يجب نشر الثقافة الدينية الصحيحة حول هذه القضايا، بحيث يعلم الشباب أن الإسلام لم يحرم النقاش فيها، لكنه وضع لها ضوابط وأخلاقيات.
2- تيسير الزواج: يجب العمل على إيجاد حلول لمشاكل الزواج المعاصرة، مثل المغالاة في المهور، وتأخر الزواج بسبب الظروف الاقتصادية.
3- توفير بيئات نقية للشباب: من الضروري أن تكون هناك بدائل ترفيهية وتعليمية تشغل أوقات الشباب، وتبعدهم عن المؤثرات السلبية التي تؤجج الشهوات.
4- توجيه الإعلام والتعليم: لا بد من توعية وسائل الإعلام بأهمية تقديم محتوى نظيف وهادف، وكذلك إدراج التثقيف الشرعي الصحيح ضمن المناهج التعليمية.
الثقافة الجنسية للمتزوجين
كما أن المشكلة لا تقتصر على الشباب غير المتزوجين؛ بل تمتد إلى المتزوجين أيضًا، حيث إن كثيرًا من الأزواج والزوجات يفتقرون إلى المعرفة الصحيحة بهذه الجوانب، مما يؤدي إلى مشكلات زوجية قد تصل إلى الطلاق. والنبي ﷺ لم يُغفل هذا الأمر، بل كان يوجه أصحابه في أمور المعاشرة الزوجية بطريقة تحفظ الأدب والحياء.
ضرورة تطوير الخطاب الديني حول هذه القضايا
يجب أن تكون هناك منهجية واضحة في طرح هذه الموضوعات؛ بحيث تُعرض بلغة شرعية مهذبة، وتكون مبنية على الدليل الشرعي، بعيدًا عن الابتذال أو التعسف. كما يجب أن يكون الطرح عمليًّا، بحيث يساعد الشباب على التعامل مع التحديات المعاصرة بأسلوب متوازن يجمع بين الالتزام الديني والواقعية.
وختامًا -أخي العزيز- إن الإسلام لم يكن يومًا ما دين تعتيم أو دين حَرَج، بل هو دين شامل يتناول كل جوانب الحياة، لكن بأسلوب حكيم يحفظ للإنسان كرامته وعفته. ويجب على الدعاة والعلماء أن يتحرروا من العوائق الاجتماعية التي تمنعهم من معالجة هذه القضايا، حتى لا يُترك المجال لمن يروجون للأفكار الخاطئة والانحرافات الأخلاقية.
نسأل الله أن يهدينا جميعًا إلى سواء السبيل، وأن يوفق شباب الأمة لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.