Consultation Image

الإستشارة 22/03/2025

لي جارٌ شديد العنف مع الأطفال، لا يتحمل لعبهم، ويصرخ فيهم ويشتمهم كثيرًا، مع تقصيره في أداء الصلاة وسلوكه البعيد عن أخلاق الإسلام.. كيف يمكنني التعامل معه بحكمة، بحيث أكسب قلبه وأدله على الخير، وأصرفه عن إيذاء الأطفال؟

الإجابة 22/03/2025

أخي الكريم، إن علاقتنا بجيراننا من القضايا التي اهتم بها الإسلام اهتمامًا بالغًا، وجعل لها مكانة عظيمة، حتى كاد الجار أن يُورَّث، كما قال النبي ﷺ: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورثه».

 

ومن هنا، فإن حسن التعامل مع الجار، حتى لو كان سيئ الأخلاق، من أعظم القربات إلى الله، وهو من أسباب الهداية والإصلاح، وإليك بعض الحقائق والوصايا حول فقه التعامل مع هذا الجار، وذلك على النحو التالي:

 

أولًا: الأساس الشرعي في التعامل مع الجار المسيء

 

- الإسلام يوجهنا إلى الإحسان حتى مع من أساء إلينا، قال الله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]. وقال النبي ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره» (متفق عليه).

 

ثانيًا: خطوات عملية للتعامل مع الجار العنيف

 

1. التزام الصبر والحلم في التعامل معه: فلا تبادل غضبه بغضب، ولا إساءته بإساءة، بل قابل ذلك بالهدوء والحكمة، فإن العفو والصبر من أعظم وسائل كسب القلوب، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾.

 

2. الحوار الهادئ واللقاء المباشر: حاول التحدث معه بروح الأخوة، دون أن تجعله يشعر بأنك تتهمه أو تحاسبه، بل قدِّم الحديث على أنه نصيحة ودية، فتقول له مثلًا: "أعلم أنك تحب الهدوء، ولكن الأطفال صغار ولا يدركون كثيرًا من الأمور، وأنت بمكانتك وخبرتك تستطيع أن توجههم بلطف، فلو طلبتَ منهم شيئًا بهدوء، لاستجابوا لك أكثر".

 

3. إظهار حسن الظن به: فبدلًا من مواجهته بلوم شديد، حاول أن تبني جسورًا من الود، كأن تقول له: "أنا متأكد أنك رجل طيب، وربما تنزعج من تصرفات الأطفال بسبب ضغوط الحياة، ولكنك بالتأكيد لا تحب أن يخاف الأطفال منك، فلو رأوك كأبٍ لهم لبادلوك المحبة".

 

4. الاستفادة من المناسبات الاجتماعية: فإذا كانت هناك مناسبة تجمعك به (كزيارة عائلية، أو دعوة لتناول القهوة)، فاستثمرها لكسب وده وتقريب العلاقة معه، فإن القلوب تلين بالمخالطة الحسنة.

 

5. تقديم الهدايا والمساعدة عند الحاجة، وقد ثبت: «تهادوا تحابوا» فيمكنك تقديم هدية بسيطة، أو مساعدته في أمر يحتاج إليه، فذلك يذيب الجليد بينكما.

 

6. الدعوة غير المباشرة إلى الصلاة والصلاح: بما أنه مقصر في أداء الصلاة، فبدلًا من مواجهته بذلك مباشرة، يمكنك استخدام أساليب غير مباشرة مثل: الحديث عن فضل الصلاة أمامه بطريقة غير مباشرة، دعوته للصلاة عند الأذان بعبارة لطيفة مثل: "هيا نصلِّ معًا، لعل الله يشرح صدورنا"، الإشادة بخصال الخير التي فيه، وربطها بالصلاح، كأن تقول له: "ما شاء الله، أنت صاحب نخوة، وأمثالك من الرجال هم الذين يكون لهم أثر عظيم إذا التزموا بطاعة الله".

 

7. استخدام الأسلوب العملي في تربية الأطفال على التعامل معه: علِّم أطفالك أن يحترموا الجيران، وألا يستفزوه، وأن يعتذروا إن أخطؤوا، فهذا سيجعله يشعر بأنكم تحترمونه، فيبادل ذلك بموقف إيجابي.

 

ثالثًا: ماذا تفعل إن لم يستجب؟

 

عليك بالآتي:

 

- الاستمرار في المعاملة الحسنة، مع تجنب الاحتكاك الزائد.

 

- التواصل مع شخص يؤثر عليه، مثل أحد معارفه أو أقاربه الصالحين.

 

- التحلي بالحكمة في التصعيد إن لزم الأمر، فإذا تجاوز حدوده كثيرًا وأضرّ بالأطفال، يمكنك التحدث مع الجهات المختصة بطريقة تحفظ حق الجميع.

 

رابعًا: ثمرات التعامل الحسن مع الجار المسيء

 

- كسب أجر الإحسان والصبر.

 

- تهدئة الأجواء في الحي، وتقليل المشكلات بين الجيران.

 

- تحويل العداوة إلى مودة، كما وعد الله في قوله: ﴿فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ﴾.

 

- تقديم نموذج عملي لأولادك في حسن التعامل؛ ما يرسخ لديهم القيم الإسلامية في الأخلاق والصبر.

 

وختامًا:

 

تذكر أن الهداية بيد الله، وما عليك إلا أن تبذل الوسع في الإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة، وألا تتأثر بردود الفعل السلبية، بل استمر في الإحسان، لعل الله يجعل في كلامك وتصرفاتك بركة تؤثر فيه ولو بعد حين. ونسأل الله لنا ولكم الهداية والرشاد.

الرابط المختصر :