الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
42 - رقم الاستشارة : 916
07/02/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السادة القائمين على بوابة الاستشارات بمجلة المجتمع المباركة، سعيد بالتواصل معكم وبخدماتكم التي تقدمونها للناس، ولي سؤال يحتاج إلى إجابة دعوية تتلاءم مع ظروفي؛ فأنا شاب أعيش في إحدى الدول الغربية، وأرغب في الدعوة إلى الله تعالى بين المسلمين وغير المسلمين، ولكنني لست عالمًا ولا خطيبًا ولا إمامًا، وأشعر أحيانًا بالرهبة من الخطأ في الكلام أو عدم القدرة على إيصال الرسالة بشكل صحيح. فما هي النصائح التي توجهونها لي للقيام بهذا الواجب العظيم؟ وكيف أتعامل مع البيئة غير الإسلامية التي أعيش فيها؟ جزاكم الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي الكريم، وأشكرك على حرصك الكريم نحو الدعوة إلى الله تعالى في بلاد الغربة رغم الظروف المحيطة بك، وبغيرك من المقيمين في بلاد الغرب، وخاصة ممن له قلب محب لدينه، وهذا دليل على إيمان حيّ وشعور عميق بالمسؤولية تجاه دينك ومجتمعك، فشكر الله هِمّتك وحرصك، وزادك من فضله.
أخي السائل الكريم:
اعلم بأن الدعوة إلى الله لها ثوابها العظيم؛ فهي تتلخص في خمس كلمات: (عبادة، علم، فن، حُبّ، سلوك)، وكل كلمة من تلك الكلمات تحتاج إلى شرح وتفصيل، لكن اسمح لي أن أختصر جوابي في نقاط محددة، على النّحو التالي:
أولًا: بيان فضل الدعوة إلى الله تعالى
اعلم -أيها المبارك- أن الدعوة إلى الله من أعظم الأعمال وأشرفها، وقد جعلها الله مهمة الأنبياء والرسل ومن سار على نهجهم. قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، فليس هناك أشرف قولاً ولا عملاً ممّن سلك هذا الطريق؛ فهو طريق الأنبياء والمصلحين، ومما يحفّز همّتك نحو هذا الطريق، ما ثبت عن نبينا المصطفى ﷺ: "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حُمُر النعم" (رواه البخاري ومسلم)، فتذكّر هذا الفضل وذاك الثواب وأنت تتحرك في سبيل دعوة الإسلام.
ثانيًا: إليك بعض التوجيهات العملية للدعوة في بلاد الغرب، وهي على النّحو التالي:
١- البدء بالقدوة الحسنة: فأكثر ما يحتاجه الناس في المجتمعات الغربية هو رؤية المسلم الصادق في تعامله، الأمين في عمله، المتقن لواجباته، المحسن للناس. فهذا أقوى أسلوب دعوي؛ وهذا نهج رسولنا وسرّ وسالته، ففي الحديث: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
٢- استخدام الأسلوب اللين؛ فالدعوة تحتاج إلى الحكمة والرفق، خاصة في بيئات لا تفهم الإسلام جيدًا. قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة) [النحل: 125]، وكن مستمعًا لمن تحاوِر، وابتعد عن الجدال العقيم، وركّز على المشتركات بين الأديان والقيم الإنسانية، ولا تنس الاستعانة بأهل العلم والخبرة.
٣- تعلم أساسيات الدين: ولا يُشترط أن تكون عالمًا بكل العلوم لتدعو إلى الله، ولكن عليك أن تتعلم الأساسيات الصحيحة في العقيدة والعبادات والأخلاق، واحرص على حضور دروس العلم عبر الإنترنت أو في المراكز الإسلامية لديكم في بلاد الاغتراب، واطلب العلم تدريجيًّا.
٤- الاستفادة من وسائل التقنية: فيمكنك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر محتوى دعوي بسيط ومفيد، وشارك في الأنشطة الدعوية التي تنظمها المراكز الإسلامية أو الجمعيات الدعوية.
٥- الاعتدال والبعد عن الغلو: لأنّ الدعوة في الغرب تتطلب خطابًا متوازنًا بعيدًا عن التشدد والغلو، مع التركيز على القيم الإنسانية التي يدعو إليها الإسلام.
٦- الاهتمام بمخاطبة المسلمين الجدد: فكثير من المسلمين الجدد في الغرب يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم لتثبيت إيمانهم وتعليمهم أحكام الدين.
ولا يمنعك قلّة العلم عن الحركة الدعوية؛ فالداعية لا يشترط أن يكون مفتيًا، ولك أن تتأمّل في قصص السابقين، كيف تحركوا بالدعوة مع قلة ما كان يعرفون عن الدين، لو قارنّا ذلك بما نعرفه نحن اليوم، ولعل السلوك الدعوي يكون أوثق في الدعوة من مجرد القول ونقل الأدلّة.
وتأمل في قصة الصحابي الجليل سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنه، أول داعية في المدينة المنورة، فرغم صغر سنه وحداثة عهده بالدعوة، فإنه استطاع بحكمته وحسن أخلاقه أن يفتح قلوب أهل المدينة للإسلام. ولا يغيب عن شريف علمك -كذلك- أن الإسلام انتشر في شرق آسيا وأفريقيا بفضل التجار المسلمين الذين كانوا قدوة في الصدق والأمانة.
ثالثًا: وصايا ونصائح ختامية
- الإخلاص لله تعالى: اجعل هدفك من الدعوة رضا الله لا تحقيق مكاسب دنيوية.
- الدعاء: أكثر من الدعاء أن يفتح الله لك القلوب وييسر لك سبل الدعوة.
- الصبر: الدعوة تحتاج إلى صبر ومثابرة، فقد تتأخر النتائج لكن الأجر محفوظ بإذن الله.
- الاستعانة بالمتخصصين: إذا واجهتك أسئلة صعبة أو شبهات لا تعرف جوابها، فارجع إلى العلماء والمتخصصين.
- حسن الظن بالله: ثق أن الله سيبارك في جهودك ولو كانت قليلة، فما عند الله خير وأبقى.
وأسأل الله -تعالى- أن يوفقك ويعينك على حمل هذه الأمانة، وأن يجعل عملك خالصًا لوجهه الكريم.