Consultation Image

الإستشارة 08/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أب -أحسب أني- حريص على تربية أبنائي على الطاعة والعبادة، لكنني أجد صعوبة في ترسيخ حب الصلاة في قلوبهم، خاصة في ظل الفتن المحيطة بهم من شهوات وشبهات وانحرافات. أريد أن أربيهم بحيث تكون الصلاة لهم عشقًا، لا مجرد عادة أو واجب يؤدونه بلا روح. كيف أحقق ذلك بأساليب مؤثرة تناسب واقعنا اليوم، وتجمع بين التربية الحكيمة، والوسائل النفسية والاجتماعية الفعالة، مع مراعاة ثوابت ديننا؟

الإجابة 08/04/2025

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، فمرحبا بك أيها الأب الكريم، وزادك الله حرصًا وبارك في ذريتك، واعلم بأنّ سؤالك يعكس وعيًا عميقًا بأهمية التربية الإيمانية الصحيحة، وصدقًا في الحرص على هداية الأبناء، وهو أول طريق النجاح.

 

فقد قال النبي ﷺ: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، وأعظم ما يُسأل عنه الوالدان هو زرع الإيمان في قلوب الأبناء، وجعل علاقتهم بالصلاة علاقة محبة وشوق، لا مجرد تكليف ثقيل. ولذا أنصحك بالآتي:

 

أولًا: الصلاة حب قبل أن تكون فرضًا

 

يجب أن يفهم الأبناء أن الصلاة ليست مجرد أوامر وواجبات، بل هي فرصة للقرب من الله، وراحة للقلب، كما قال النبي ﷺ: "وجُعلت قرة عيني في الصلاة". لذا، علينا أن ننقل لهم شعور السعادة والطمأنينة بالصلاة، لا مجرد الإلزام بها.

 

ثانيًا: القدوة هي المفتاح الأول

 

الأبناء يتأثرون بما يرونه أكثر مما يسمعونه، فإن رأوك تشتاق للصلاة، وتفرح بها، وتسابق إليها، وتخشع فيها، سيتشـرَّبون هذا الحب تلقائيًّا. فالطفل الذي يرى والده يترك كل شيء حين يسمع الأذان، ويدعو أهله للصلاة بِحُبّ، سيتربَّى على أنَّ الصلاة أولوية عظيمة، لا مجرد التزام ثقيل.

 

ثالثًا: اجعل الصلاة تجربة جميلة منذ الصغر

 

1) الصلاة في جو من الألفة: لا تجعل الصلاة في البيت لحظات توتر وصراخ، بل اجعلها أجمل لحظات اليوم، صلِّ مع أبنائك، وابتسم، واحتضنهم بعد الصلاة، وكافئهم على التزامهم.

 

2) اصطحبهم للمسجد منذ الصغر: المسجد ليس مكانًا للكبار فقط، بل هو بيت الله الذي يجب أن يشعروا فيه بالأمان والسعادة. اصطحبهم معك، واجعل الذهاب إليه مغامرة جميلة.

 

3) المكافأة المعنوية والمادية: أثبتت الدراسات التربوية أن التعزيز الإيجابي هو أسرع وسيلة لزرع العادات الطيبة، فاجعل لهم “مفاجآت الصلاة”، مثل هدية بسيطة إذا واظبوا عليها أسبوعًا، أو كلمات تشجيعية تُشعرهم بالتميز.

 

رابعًا: أخبرهم بقصص العابدين ومحبّي الصلاة

 

فإنّ القصص تؤثر في القلوب أكثر من الأوامر، حدّثهم عن عشق النبي ﷺ للصلاة، وعن صبر الصحابة على الصلاة في أصعب الظروف، واذكر لهم نماذج معاصرة لشبابٍ جعلوا الصلاة محور حياتهم، كالشاب الذي لم يترك تكبيرة الإحرام أربعين سنة، أو العالم الذي لم تفته صلاة الفجر يومًا.

 

خامسًا: خاطب عقولهم بلغة العصر

 

أبناؤنا اليوم يتأثرون بالمنطق والعلم، فخاطبهم بلغة يفهمونها، وعرّفهم بفوائد الصلاة على الصحة النفسية، والعقل، والطاقة الإيجابية، مستعينًا بالأبحاث الحديثة التي أثبتت تأثيرها المذهل على تقليل التوتر، وزيادة التركيز، وتحقيق السعادة.

 

سادسًا: اجعل الصلاة حلًّا لكل مشكلاتهم

 

إذا شعر أحد أبنائك بالتوتر، فقل له: "جرب أن تصلي ركعتين، وستشعر براحة عجيبة". إذا أصابه الحزن، فقل: "ابكِ بين يدي الله في سجودك، وسترى كيف يبدّل الله حالك". بهذه الطريقة، سيرتبط في ذهنه أن الصلاة هي الملجأ، لا مجرد فرض ثقيل، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلّم- كما تعلم، إذا أصابه همّ أو غمّ أو كرب وشدّة هرع وفزع إلى الصلاة.

 

سابعًا: تجنّب هذه الأخطاء في تعليم الصلاة

 

1) الصراخ أو العقاب عند عدم الصلاة: فهذا يزرع كرهها، لا حبها.

 

2) ربط الصلاة بالخوف فقط: لا تجعلها مجرد "عذاب القبر" و"عقوبة تارك الصلاة"، بل اجعلها جنة وراحة ولقاءً مع الله.

 

3) الإجبار بدون شرح المعنى: إذا أمرت ابنك بالصلاة دون أن تشرح له قيمتها، فسيؤديها جسدًا لا قلبًا.

 

ثامنًا: الدعاء.. سرّ التوفيق والتغيير

 

لا تنس أن الهداية بيد الله، فأكثر من الدعاء لهم كما فعل الأنبياء، فقد قال إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾، فلا تستهِن بسجدة خاشعة تدعو فيها لأبنائك بالهداية، فقد يكون هذا الدعاء سببًا في تغيير قلوبهم.

 

وأخيرًا:

 

فإنّ تربية الأبناء على حب الصلاة ليست مهمة يوم أو أسبوع، بل رحلة تحتاج إلى صبر، وحكمة، ودعاء. وكما أن الطفل يتعلم المشي بالتدريج، سيتعلم حب الصلاة بالتدريج أيضًا، فلا تيأس إن تأخر قليلاً، واستمر في زرع البذور، فإنها ستنبت يومًا ما بإذن الله، وحفظ الله لك ذريّتك من كل سوء، ورزق الله جميع الأبناء والبنات هداية لطاعته.. اللهم آمين.

الرابط المختصر :