22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 05/02/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السادة الكرام أنا أوقن بأن الحياة بطبيعتها تمتلئ بأشخاص كثيرين مختلفين فمن الناس من يكونوا ذا طبع حسن ومنهم من يكونوا ذا طبع سيء وتلك هي الفروق الفردية بين الناس كما نعلم لكن الذي يحيرني كثيرا هل كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الشخصيات المختلفة وكان يتعامل معها بشكل أو بآخر يعني هل تعرض النبي صلى الله عليه وسلم للتعامل مع الشخصيات الصعبة والشخصيات المختلفة في طباعها وسلوكها وأخلاقها وكلماتها وألفاظها ومعاملاتها فإذا كان ذلك في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف تعامل معها صلى الله عليه وسلم يعني كيف تعامل الرسول مع مثل هذه الشخصيات حتى نتعلم من منهجه الشريف كيف نتعامل مع الناس من حولنا اليوم فقد بتنا نرى ونسمع عن أشخاص كثيرين للأسف الشديد معاملتهم سيئة منهم الشخصية العدائية الكارهة الشخصية العدوانية المعتدية وهناك الشخصية الظالمة وهناك الشخصية النرجسية المتغطرسة وهناك شخصيات كثيرة جدا في هذه الحياة فأرجو لو تكرمتم أن توضحوا لنا كيف كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع مثل هذه الشخصيات حتى نتعلم من منهجه في حياتنا المعاصرة، وشكرا جزيلا.

الإجابة 05/02/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:

 

فمرحبا بك أخي السائل، ويسعدني سؤالك كثيرًا؛ لأنه ينُمّ عن نفسية ترغب في هداية الخلق، وإصلاح النفوس، وما أجمل أن تتعلم كيف تتعامل مع الخلق، ولك أن تعلم -أخي الكريم- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع جميع أصناف الناس، من الطيبين ومن أصحاب الطباع الصعبة والمتباينة؛ فهو المربي الأعظم الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين. ومن خلال سيرته الشريفة نجد منهجًا تربويًّا متكاملًا في التعامل مع الشخصيات المختلفة، حتى مع أولئك الذين يحملون صفات سلبية أو يؤذونه بكلامهم أو أفعالهم.

 

وإليك أمثلة من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشخصيات المختلفة:

 

1. الشخصية العدائية:

 

فقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع من كان يُظهر العداء له بالحكمة والصبر، ومن أمثلة ذلك موقفه مع ثمامة بن أثال الذي كان عدوًا للإسلام. عندما أُسر ووُضع في المسجد، لم يوبخه النبي، بل أكرمه وأحسن معاملته حتى قال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله"، ثم أعلن إسلامه، وقِس على ذلك ما كان من شأن صفوان بن أميّة، وعكرمة بن أبي جهل...

 

2. الشخصية النرجسية المتغطرسة:

 

تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي جهل وغيره من صناديد قريش الذين أظهروا الغطرسة والتكبر، كان يواجههم بالحجة واللين، ويبين لهم الحق دون أن ينجر إلى أسلوبهم المتعالي، أو أن يكون مثلهم.

 

3. الشخصية الظالمة:

 

كان منهجه صلى الله عليه وسلم أن يواجه الظلم بالنصيحة والإرشاد، لكنه كان حازمًا عندما يتطلب الموقف ذلك. عندما أراد أحد الناس ظلم جاره في أمر يتعلق بماء الشرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".

 

4. الشخصية العدوانية المعتدية:

 

في غزوة أحد وبعد إيذاء المشركين للمسلمين، لم يدعُ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، بل قال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". ومع ذلك، كان لا يتهاون في الدفاع عن الحق وحماية المجتمع الإسلامي، فتعامله كان متوازنًا في هذه الشؤون.

 

5. الشخصية الجاهلة أو المتسرعة:

 

من أروع الأمثلة موقف الأعرابي الذي دخل المسجد وبال فيه. غضب الصحابة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوه ولا تزرموه"، ثم خاطبه بلطف وقال: "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى"؛ فتعلم الأعرابي الدرس بحب واحترام.

 

 وأضيف إليك شيئًا من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الشخصيات الصعبة، وفقًا لما يأتي:

 

1. الصبر والتحمل: كان يتحلى بالصبر أمام الأذى والكلام الجارح، كانوا يسبونه بمذمّم، فيقول لأصحابه: "يسبّون مذمّما وأنا محمد".

 

2. اللطف واللين: قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

 

3. تفهم الدوافع: كان يبحث عن أسباب تصرفات الناس ويعذرهم إن أمكن.

 

4. الحزم عند الضرورة: لم يكن يسمح بالإفساد أو الظلم، وكان يقيم الحدود ويأمر بالعدل.

 

5. الدعاء والهداية: كان يدعو لمن أساء إليه بالهداية.

 

6. القدوة الحسنة: لم يكن يرد الإساءة بمثلها، بل كان مثالًا للعفو والتسامح.

 

7. الاحتواء والتربية: كان يسعى لتغيير سلوك الشخصيات الصعبة بالحكمة والتوجيه.

 

وختامًا:

 

فإن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تعلمنا أن التعامل مع الناس يحتاج إلى مزيج من الصبر والحكمة والحزم والدعاء؛ فالناس بطباعهم المختلفة تحدٍّ للمسلم الذي يقتدي بنبيه في حلمه وعفوه وعدله، ولا ينبغي أن تتعامل مع الناس -كل الناس- بمنهجية واحدة، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن التأسي بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في التعامل مع كل الشخصيات، وأن يجعلنا مفاتيح خير دائمًا.