الإستشارة - المستشار : د. مسعود صبري
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
155 - رقم الاستشارة : 1121
25/02/2025
أنا رجل متزوج ولي ثلاثة أطفال، وعندي بيت كامل من كل شيء، وعندي أموال معقولة؛ ولي ستة إخوة على درجات عالية من العلم والمستوى المادي؛ يعني لي عائلة، حين تحل بي أي ضائقة سأجد من يقف بجانبي، مع أني غير محتاج لكن هذا للعلم، أي أنني من عائلة ميسورة. ونظرًا لأنني أسلمت، أريد أن يعرف الجميع أنني أسلمت لحبي للإسلام وليس لأي شيء آخر؛ يعني كل ما أملكه كنت أتمنى أن أتركه لأسرتي السابقة وأولادي، وأبدأ من جديد حتى لا يقول أحد بأنني أخذت مال أولادي وأسلمت، خصوصًا أنني وجدت الإنسانة المسلمة المؤمنة التي ستقف بجانبي رغم أنها من أسرة فقيرة، لكن يكفيني إيمانها وحفظها للقرآن، ومعها مؤهلات عليا؛ فأنا أريد الاستفسار؛ أي شيء سيكون لي سيكون باسم زوجتي وليس لي؛ فأنا يكفيني الإسلام.
أخي في الله..
نحن نسعد دائماً بالإيمان بالله، ذلك الذي يجمعنا ويظلنا جميعاً، فنستشعر بدفء الإيمان حين نتعبد لله تعالى، نستشعر ذلك حين نصحح عقيدتنا، وننقيها من شوائب الشرك والكفر، ونجعل التوحيد الخالص يملأ علينا حياتنا، ويفيض علينا بأنواره وأسراره؛ لأن التوحيد يولّد في الإنسان انسجاماً نفسياً، واتزاناً في السلوك والتصرفات، وذلك أن الله تعالى خالق هذا الكون كله، وكل الكون عابده ومسبحه، كما قال تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء: 44)؛ فحين ينضم الإنسان إلى قافلة التوحيد، ينسجم مع الكون العابد والمسبح لله تعالى، وكل خروج عن هذا التوحيد يجعل المرء في نفور وبعد عن الراحة النفسية، مع ضنك وضيق عيش في الحياة، كما قال تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (الزخرف: 36).
ولهذا، فإن أساس الدين ومداره وجوهره ومقصده الأسمى وغايته العظمى هو الحفاظ على توحيد الله تعالى والإيمان به إيماناً صادقاً، دون تحريف أو تزوير؛ فيقيم وجهه لله، كما قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) (الروم: 30)، وأن يسلم لله، كما قال عن إبراهيم عليه السلام: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة: 131).
أما عما تركته من الغنى فالله تعالى هو الغني، وهو الرزاق، واعلم أن كل إنسان مكتوب رزقه عند الله، بعيداً عن المعتقد، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات)، فأنت لن تفتقر؛ لأنك ركنت إلى ما بيده الغنى كله.
وإن كنت تركت أهلك فإن المسلمين كلهم أهلك، كما أخبر الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم"، كما أن الإسلام لا يأمر بترك الأهل وترك العلاقة بينهم، ربما يكون هناك ابتعاد عنهم لحين، ولكن يبقى بر الوالدين واجباً عليك، ولو بقوا على الشرك، كما قال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) (لقمان: 15).
فالإسلام لا يأمرك بترك زوجتك لأنها من أهل الكتاب، ولا أولادك لأنهم مسئوليتك، ولا عشيرتك لأنه يربطك بكم صلة ورحم، إلا أن يحولوا بينك وبين دين الله، فيقدم دين الله تعالى على كل شيء، كما قال تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم مّن الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين).
كما أنه عند تأزّم الأمور قد تتركهم مؤقتا، وتعود إليهم بعد ذلك، غير أننا في المجتمع المسلم كلنا واحد، ولا نكره غيرنا من غير المسلمين؛ بل نحن مأمورون بالبر والقسط، كما قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8).
فأنت لم تخسر شيئاً، كسبت دين الله، وبقي أهلك، وانضممت إلى مجتمع المسلمين، فزاد أهلك؛ بل نحسب المسلمين خيراً من أهلك الذين لم ينعم عليهم بنعمة الإسلام بعد، ولن نقطع صلتنا بهم، كما أنك زدت غنى؛ فبعد غنى المال، معك الآن أيضاً غنى الإيمان.
فكن حكيماً في تصرفاتك، واجعل الدين أول أولوياتك، وقدّم الله تعالى على كل شيء، ولا تهدم في الوقت ذاته كل شيء؛ فالأصل أننا نبتعد عما ما فسد، ونجلب ما صلح، ونسعى لنشر الإصلاح بين الناس جميعاً؛ فهم أهلنا وعشيرتنا، وواجب علينا أن نوضح لهم الحق، ولا نجبرهم عليه، بل هو مجرد عرض؛ فمن فتح الله تعالى قلبه له فلله الحمد والمنة، ومن رفض فحسابه عند ربه، وندعو له أن يمنّ الله تعالى عليه بالخير والتوحيد.
ونسأل الله تعالى أن يجمعنا دائماً على الخير والحب في الله، وأن يجعلنا إخوة متحابين، على سرر متقابلين، في جنات النعيم.
وأتمنى أن تتواصل معنا، فنحن دائماً بإذن الله معك.