الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
35 - رقم الاستشارة : 1502
03/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب نشأت على حب الإسلام، وأكرمني الله بأن أكون من أهل الدعوة إليه، فكم أشعر بالسعادة عندما أبلّغ عن الله، وأساهم في هداية الناس إلى الخير! لكنني أواجه مشكلة تؤرقني وتمنعني أحيانًا من أداء رسالتي بالشكل الذي أطمح إليه، وهي الرهبة والخوف أثناء الدعوة، خاصة حين أكون أمام جمهورٍ من العلماء والمثقفين وكبار السن من مشايخنا وأساتذتنا.
أشعر أنني قد أخطئ، أو أنني لن أكون على قدر المسؤولية، أو أنني سأتعرض لانتقادات تثبط عزيمتي. وأحيانًا يصل الأمر إلى حد أنني أتراجع عن الحديث، وأترك المجال لغيري، رغم أنني أحب أن أكون من الناصحين. فما السبب الحقيقي وراء هذه الرهبة؟ وكيف أتغلب عليها وأواصل طريقي في الدعوة إلى الله بقوة وثقة؟ أسأل الله أن يبارك فيكم، وينفع بكم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي شرف أهل الدعوة بأعظم مهمة، وجعلهم ورثة الأنبياء، والصلاة والسلام على سيد الدعاة محمد ﷺ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخي الكريم، أسأل الله أن يبارك فيك، وأن يزيدك حرصًا وهمة، فما أجمل أن يسأل المرء عن طريق النجاح في دعوته، ليكون على بصيرة في مسيرته!
إن الشعور بالرهبة في الدعوة أمر طبيعي، بل هو دليل على صدق النية، والخوف من التقصير في حق الله، لكن ينبغي ألا تتحول هذه الرهبة إلى حاجز يمنعك من أداء رسالتك. وإليك الآتي:
أولًا: هل الرهبة في الدعوة أمر سلبي تمامًا؟
الرهبة والخوف من التقصير ليست دائمًا أمرًا سيئًا، فقد قال الله تعالى عن موسى عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾، بل إن النبي ﷺ نفسه، وهو أعلم الخلق بالله، كان يقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع"؛ فالخشية والخوف من الله تجعلان الداعية يتأنى، ويحترز من الزلل، ويراعي الأمانة في تبليغ العلم.
لكن متى يصبح الخوف مشكلة؟ عندما يتحول إلى عائق يمنعك من الدعوة، ويجعل صوت التردد في داخلك أعلى من صوت الحق الذي تحمله.
ثانيًا: أسباب الرهبة في الدعوة وكيفية علاجها
1) الخوف من الفشل أو الخطأ: والحل: تذكر أن كل إنسان معرض للخطأ، حتى كبار العلماء، ولكن المهم هو التعلم والتطور، ولا تنتظر أن تكون كاملًا، فقد قال الإمام مالك رحمه الله: "كلٌّ يؤخذ من قوله ويُرد، إلا صاحب هذا القبر"، (وأشار إلى قبر النبي ﷺ)، وتعلَّم من أخطائك، ولا تخشَ أن تُصحَّح، فهذا جزء من النمو العلمي.
2) الرهبة من مواجهة العلماء والمثقفين، والحل: اعلم أن العلماء الحقيقيين لا يحتقرون من يدعو إلى الله، بل يفرحون بمن يسير على طريقهم، فـــ"العلماء كالنجوم، يضيئون للناس الطريق، لكنهم لا يمنعون أحدًا من حمل مصباحه الخاص"، وركِّز على إيصال الحق، ولا تجعل هدفك إثبات ذاتك أمامهم، بل اجعل هدفك نفع الناس وطلب الأجر من الله.
3) الخوف من النقد والتثبيط، والحل: أن تستحضر قول النبي ﷺ: "اللهم اجعلني في عيني صغيرًا، وفي أعين الناس كبيرًا"، واعلم بأنّ النقد البناء يُفيدك، أما النقد الجارح، فاعلم أن الأنبياء لم يسلموا منه، فهل تنتظر أن تسلم منه أنت؟ وانظر إلى النبي ﷺ حين قالوا عنه: "ساحر، مجنون، شاعر"، فهل توقف عن الدعوة؟ أبدًا! بل استمر حتى فتح الله له القلوب والعقول.
4) نقص الإعداد والاستعداد، والحل: كلما زاد علمك، قلَّت رهبتك، قم بإعداد نفسك جيدًا قبل أي لقاء دعوي، رتّب أفكارك، واحفظ الأدلة، وتدرّب على الإلقاء، واقرأ سيرة الصحابة في الدعوة، وتأمل قوة حجتهم وثقتهم بالله.
ثالثًا: وصايا عملية للتغلب على رهبة الدعوة
1) استعن بالله، وأكثر من الدعاء قبل الدعوة، فقد كان النبي ﷺ يدعو قبل الخطابة قائلاً: "اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي".
2) تدرّب على الإلقاء بين أصدقائك أو في محيط صغير قبل مواجهة الجماهير الكبيرة.
3) ابدأ بالدعوة في المجالات التي تتقنها جيدًا، حتى تكتسب ثقة أكبر في نفسك.
4) تذكر دائمًا أنك تحمل رسالة عظيمة، والناس بحاجة إليها، فلا تحرمهم الخير بسبب خوفك.
5) إذا شعرت بالرهبة، خذ نفسًا عميقًا، وابدأ بآية من القرآن، أو حديث نبوي، فهذا سيمنحك الطمأنينة والثقة.
6) ركِّز على نفع الناس، وليس على نظرتهم لك، فالإخلاص لله يذهب عنك رهبة الخلق.
رابعًا: خلاصة العلاج في ثلاث كلمات
* العلم: ازدد علمًا؛ فالعلم يمنحك ثقة قوية.
* الإعداد: كلما كنت مستعدًا، قلَّت رهبتك.
* التوكل على الله: افعل ما تستطيع، ثم فوّض أمرك لله، فهو خير معين.
أخي الكريم، دعوتك إلى الله شرف عظيم، فلا تجعل الخوف يحرمك منه. تذكر قول النبي ﷺ: "بلغوا عني ولو آية"، فلو كانت كلمة واحدة تبلّغها، فلا تحرم نفسك أجرها. وانطلق بقوة وثقة، واستعن بالله، وسيبقى صوت الحق هو الأعلى دائمًا.