الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
57 - رقم الاستشارة : 1404
22/03/2025
في ظل التنافس الشرس للسيطرة على عقول الشباب عبر الدراما والمسلسلات، والتي لا تخلو كثير منها من الترويج للعنف، والفحش، والانحراف الفكري والسلوكي، كيف نحمي أبناءنا؟ وما دورنا كآباء، ومعلمين، ودعاة في بناء وعي الشباب بشكل صحيح؟ وهل يمكن توظيف الدراما بشكل إيجابي لبناء الإنسان؟
أخي الكريم، إن تشكيل وعي الأجيال مسؤولية عظيمة، خاصة في هذا العصر الذي أصبحت فيه الدراما من أكبر المؤثرات على الأفكار والمبادئ والقيم، فلا شك أن جزءًا كبيرًا مما يُعرض اليوم لا يهدف إلى الإصلاح، بل يسعى إلى تدمير منظومة الأخلاق والقيم، وتشويه الهوية الإسلامية والعربية.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ فحماية الشباب من التأثير السلبي للدراما ليست ترفًا، بل واجب شرعي وتربوي ومجتمعي. وإليك الآتي:
أولًا: لماذا تعد بعض المسلسلات خطرًا على الشباب؟
1) لأنها ترسّخ ثقافة الانحراف: بعض المسلسلات تروّج للبلطجة والعنف وكأنه رمزٌ للرجولة والقوة، مما يجعل الشباب يتبنون هذه السلوكيات في الواقع.
2) لأنها تفسد الأخلاق: كثير من الدراما الحديثة تروج للفحش، والمشاهد المحرمة، والعلاقات غير الشرعية، وقلة الحياء، مما يفسد القيم الدينية والأسرية.
3) لأنها تضعف الانتماء للدين والوطن: بعض الإنتاجات تهدف إلى إضعاف الهوية الإسلامية والعربية، وتصوير القيم الدينية وكأنها تخلف، بينما تُقدَّم الانحرافات الأخلاقية على أنها حرية وتقدم.
ثانيًا: كيف نحمي أبناءنا من التأثير السلبي للدراما؟
1) التربية الوقائية: بناء الحصانة الفكرية والإيمانية، وذلك من خلال الآتي:
* التربية على المراقبة الذاتية: علّم أبناءك أن الله يراهم في كل وقت، فليس كل ما يُعرض يجوز مشاهدته، قال النبي ﷺ: "الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس" [مسلم].
* التربية على الانتقاء الواعي: درّب أولادك على عدم تقبل كل ما يُعرض عليهم، وغرس قيمة التمييز بين النافع والضار.
* إيجاد بدائل نافعة: لا يكفي تحذير الشباب من الدراما الفاسدة، بل يجب توفير بدائل، مثل: أفلام وثائقية ممتعة وهادفة، دراما إسلامية وتاريخية راقية، منصات تقدم محتوى تربويًّا مفيدًا.
2) دور الأهل في المتابعة والتوجيه
* لا تكن متساهلًا في ترك أبنائك أمام التلفاز دون رقابة، بل ناقشهم فيما يشاهدونه ووجّههم.
* استخدم خاصية التحكم الأبوي لحظر المحتوى غير المناسب.
* قدّم لهم مسابقات ونشاطات بديلة تشغل أوقاتهم وتنمي مهاراتهم.
3) دور المعلمين والدعاة في بناء الوعي الصحيح
لا بد أن يكون للمعلمين والدعاة دورٌ توعويٌ قويٌ داخل المدارس والمساجد والمنصات الإلكترونية، من خلال:
* توضيح خطر الدراما الهدامة على العقل والسلوك والمجتمع.
* إبراز نماذج القدوة الحقيقية من الصحابة والعلماء والقادة المسلمين.
* تحفيز الشباب على القراءة وتنمية التفكير الناقد حتى لا يصبحوا مجرد متلقين لكل ما يُعرض عليهم.
ثالثًا: هل يمكن توظيف الدراما في بناء الإنسان؟
نعم، يمكن ذلك، إذا كانت تقدم محتوى هادفًا يخدم القيم الإسلامية والمجتمعية، فليس الحل إلغاء الدراما تمامًا، بل تصحيح مسارها، ومن صور ذلك: إنتاج أعمال درامية تعزز الهوية الإسلامية، مثل الدراما التي تحكي قصص الأنبياء، والصحابة، والعلماء، والقادة العظماء، وإنتاج أفلام تربوية تحفّز الشباب على العمل والإبداع بدلًا من الكسل والانحراف، إنتاج دراما اجتماعية نظيفة تعالج المشكلات الأسرية والمجتمعية بأسلوب راقٍ، بدلًا من الترويج للانحرافات، دعم الأعمال الدرامية التي تسلط الضوء على قضايا الأمة، مثل قضية فلسطين والمقدسات الإسلامية، لإبقاء الوعي حاضرًا في عقول الشباب.
رابعًا: كيف تساهم الدول في بناء وعي الإنسان عبر الإعلام؟
الإسلام يدعو إلى بناء الإنسان الواعي، فلا بد أن تضع الدول سياسات واضحة لمراقبة المحتوى الدرامي بحيث:
* لا يتم تمويل أو دعم المسلسلات التي تخالف القيم الإسلامية والأخلاقية.
* يتم تقديم أعمال درامية تخدم بناء الأوطان، لا تدمير العقول.
* يتم تنظيم الإعلام بما يراعي هوية الأمة الإسلامية، بدلًا من استيراد أعمال تروج للانحلال والفساد.
وختامًا:
فإنّ حماية شبابنا من المسلسلات المفسدة مسؤولية جماعية تبدأ من البيت، وتنتقل إلى المدرسة، والمسجد، والإعلام، وصُنّاع القرار. ولا بد من توجيه الدراما لتكون أداة بناء، بدلًا من أن تصبح وسيلة هدم، وقد قال النبي ﷺ: "كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِه"؛ فلنقم جميعًا بواجبنا في توعية الأجيال القادمة حتى لا يُخترق وعيهم وتضيع هويتهم الإسلامية والعربية.