الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
256 - رقم الاستشارة : 663
11/01/2025
أنا شاب يعمل في مجال الدعوة الإسلامية، وألاحظ أن هناك تغيرات كبيرة في اهتمامات الناس وقضاياهم المعاصرة. كيف يمكنني كداعية أن أقدم خطابًا دعويًا يجذب الشباب ويخاطب عقولهم في ظل التحديات الفكرية والثقافية الحالية، دون أن أفقد روح الثوابت الإسلامية؟ وما هي الأساليب الدعوية الفعّالة التي يجب أن أتبناها في هذا العصر؟
أخي السائل الكريم:
سعدنا بالتواصل معك عبر بوابة الاستشارات الراقية بمجلة المجتمع، وجزاك الله خيرًا على حرصك وانشغالك بتقديم خطاب دعويّ مؤثر ومناسب للواقع المعاصر.
ولا شك أنَّ الدَّعوة الإسلامية تمرُّ بتحدّيات كبيرة في هذا الزمن، سواء على مستوى الأفكار أو القيم أو الوسائل المستخدمة. ولإيصال الرسالة الدعوية بفعالية في المجتمعات المعاصرة، أنصحك بالتركيز على ما يلي:
أولًا: فهم الواقع ومتغيراته
من المهم أن يكون الداعية واعيًا بواقع المجتمع الذي يعيش فيه، ومدركًا للتغيرات الثقافية والفكرية والاجتماعية التي يمر بها الناس. كما يجب عليك متابعة القضايا الفكرية المطروحة في الواقع المعاصر، مثل:
- قضايا الهوية والقيم.
- مفاهيم الحرية والتسامح.
- قضايا المرأة والشباب.
- التأثير الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي.
افهم طبيعة المشاكل التي تواجه الشباب اليوم، واعلم أن القضايا الفكرية المتجددة تحتاج إلى معالجة حكيمة وعقلانية.
ثانيًا: تجديد الخطاب الدعوي دون التفريط في الثوابت
التجديد في الخطاب الدعوي لا يعني التنازل عن الثوابت؛ بل يعني استخدام أساليب حديثة ولغة قريبة من الناس، مع تقديم الدين في صورة تلبي احتياجاتهم النفسية والاجتماعية، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]، ومن بين ما يلزم في قضية التجديد الدعوي:
- استخدام لغة سهلة ومباشرة، مع الابتعاد عن المصطلحات المعقَّدة التي قد تنفّر الناس.
- التركيز على المعاني الروحية والقيم الأخلاقية التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية.
- الحرص على تقديم الإسلام كمنهج حياة شامل، وليس فقط كأحكام فقهية.
ثالثًا: مخاطبة العقول والقلوب معًا
في هذا العصر الذي تنتشر فيه الأفكار المغلوطة والمفاهيم الخاطئة، يحتاج الداعية إلى تقديم خطاب يخاطب العقل ويقنعه، وفي الوقت نفسه يلمس القلب والمشاعر ويؤثر فيها، ومما يحقّق ذلك:
- استخدم أسلوب الحوار والنقاش الهادئ بدلًا من أسلوب التلقين والأمر؛ فالنفس البشرية -في الغالب الأعم- تأنف من الأوامر.
- اعتمد على الأدلة العقلية إلى جانب الأدلة الشرعية (النقلية).
- احرص على استخدام القصص القرآني والسيرة النبوية كنماذج عملية، مع التمكن من مهارة (الحبكة القصصية).
رابعًا: استثمار وسائل الإعلام والتكنولوجيا
الداعية في العصر الحديث يجب أن يكون على دراية بوسائل الإعلام الحديثة وكيفية استخدامها في نشر الدعوة، وإليك مهارات لازمة للانتشار والاستثمار الدعوي:
- أنشئ محتوى دعويًّا على مواقع التواصل الاجتماعي يجذب الشباب، مثل الفيديوهات القصيرة والمقالات التفاعلية.
- استخدم التطبيقات والبرامج التي تسهّل وصول الرسالة الدعوية إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
- شارك في البرامج الحوارية التي تناقش قضايا معاصرة من منظور إسلامي.
خامسًا: تقديم القدوة العملية
لن ينجح الخطاب الدعوي إذا لم يكن الداعية نفسه نموذجًا عمليًّا لما يدعو إليه. كُن قدوة في أفعالك وأقوالك، وتذكر أن الناس يتأثرون بسلوك الداعية أكثر من كلامه، فتعامل مع الناس برفق ولين، وكن مستمعًا جيدًا لهم، واحرص على أن تكون أخلاقك وسلوكك انعكاسًا لقيم الإسلام، ولا تنس أن تقوم ببناء علاقات شخصية مع من تدعوهم، وأشعِرهم بأنك تهتم بهم وبمشاكلهم.
سادسًا: معالجة الشبهات الفكرية بعلم وحكمة
الكثير من الشباب اليوم يتعرضون لشبهات فكرية ودينية؛ بسبب انتشار المعلومات المغلوطة على الإنترنت، ومن هنا: لا تتجاهل الشبهات التي يطرحها الناس، بل تعامل معها بجدية وبحث، وكن على اطلاع دائم بأحدث القضايا المثارة، وقدم الردود العلمية المؤصلة دون تشدد أو استعلاء، إضافة إلى ضرورة استخدام لغة هادئة بعيدة عن الجدل العقيم، وركّز على توضيح الحقائق بأسلوب مقنع.
ونخلص مما سبق إلى الآتي:
- كن قريبًا من الناس وافهم احتياجاتهم.
- جدّد أساليبك الدعوية دون أن تفرّط في ثوابت الإسلام.
- خاطب العقل والقلب معًا.
- استثمر وسائل الإعلام الحديثة.
- كن قدوة حسنة في سلوكك وأخلاقك.
- تعامل مع الشبهات الفكرية بحكمة وعلم.
وأخيرًا أخي الداعية الهُمَام:
تذكّر أن التحديات التي تواجه الدعوة اليوم تحتاج إلى دعاة يحملون فكرًا مستنيرًا وأسلوبًا حكيمًا، يجمع بين الأصالة والتجديد، ويخاطب الناس بما يناسب عقولهم وواقعهم.
وأسأل الله -تعالى- أن يوفقك في دعوتك، ويجعلك من الدعاة الذين يصلحون في الأرض ويهدون الناس إلى طريق الحق.