22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 19/02/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأخوة الكرام: عندي صبيّة يتيمة أقوم على رعايتها وكفالتها، وأرجو أن ترشدوني إلى ما ينبغي القيام به معها إيمانيًّا وتربويًّا وتعليميًّا وسلوكيًّا؛ بحيث يتوفر لها البيئة المعينة على الطاعة، وحتى تكون نموذجًا نافعًا للمجتمع. وهل لي ثواب على خدمتي لها؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة 19/02/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:

 

فجزاك الله خيرًا على هذه الكفالة المباركة، فخير البيوت بيتٌ فيه يتيم يُحسن إليه، كما قال النبي ﷺ: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»، وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما. فهنيئًا لك هذا الفضل العظيم، وأسأل الله أن يجعل كفالتك ورعايتك في ميزان حسناتك.

 

كما ينبغي التأكيد على أنّ تربية اليتيم مسؤولية عظيمة، وأنت لست فقط مسؤولًا عن طعامها وكسوتها؛ بل عن قلبها وفكرها وسلوكها ومستقبلها، حتى تنشأ فتاةً صالحة نافعة لمجتمعها ودينها.

 

ومما ينبغي التأكيد عليه أنّ اليُتم ليس مانعًا من الريادة والتميّز، بل قد يكون دافعًا قويًا لتحقيق النجاح والاعتماد على النفس، خاصة إذا وُجِدَت بيئة داعمة ومربية حكيمة. فكم من شخص فقد والديه أو أحدهما، لكنه لم يتوقف عند حزنه، بل صنع لنفسه مجدًا وكان مثالًا يُحتذى. وليسمح لي كل قائم على كفالة يتيم أو يتيمة أن نوضح الخطة المنهجية التالية:

 

أولًا: الجانب الإيماني والتعبدي

 

 

1) غرس محبة الله في قلبها: حدّثها عن رحمة الله ورعايته لعباده، واجعل حبها لله منطلقًا للطاعة، لا مجرد خوفٍ من العقاب، واربطها بأسماء الله الحسنى، خاصة "اللطيف" و"الرحيم" و"الكريم"، ليكون لديها يقين أن الله معها.

 

2) تعويدها على الصلاة: اجعل الصلاة جزءًا طبيعيًّا من يومها، دون قسوة أو إجبار، بل بالقدوة والتشجيع، واربطها بالدعاء، وعلّمها أن تلجأ إلى الله في كل أمورها.

 

3) تحفيظها القرآن والأذكار: فاحرص على أن يكون لها ورد يومي من القرآن، حتى لو كان آية واحدة، وعلمها الأذكار الصباحية والمسائية، واجعلها عادة محببة لها.

 

ثانيًا: الجانب التربوي والنفسي

 

1) احتضانها عاطفيًّا: فأشعرها دائمًا بالحب والأمان، فاليتيم أكثر حاجة للعاطفة، وامدحها على أفعالها الحسنة، وشجّعها حين تخطئ بدلًا من تعنيفها.

 

2) تعزيز ثقتها بنفسها: فاجعلها تشعر أنها قوية ومميزة، لا ضعيفة أو ناقصة لأنها يتيمة، وامنحها فرصًا لاتخاذ قراراتها بنفسها، وشجّعها على التعبير عن رأيها.

 

3) تعليمها الصبر وحسن الظن بالله: ولا تجعل يتمها حاجزًا نفسيًّا لها، بل علمها أن الله إذا أخذ شيئًا يعوض بأفضل منه.

 

4) قم بحكاية قصص ملهمة لها، من خلال إيراد نماذج لأيتام قادوا الدنيا وغيروها إلى الأفضل، مثل القائد الأعلى للأمة الإسلامية، سيدنا رسول الله، ومن سار على دربه من الكرام كالشافعي،

 

ثالثًا: الجانب التعليمي والثقافي

 

1) الاهتمام بتعليمها: احرص على أن تحصل على تعليم جيد، واجعلها تحب التعلم لا مجرد النجاح في المدرسة، وازرع فيها حب القراءة والبحث، لتكون فتاةً واعية مثقفة.

 

2) توجيهها لمهارات مفيدة: شجعها على تعلم مهارات تساعدها في مستقبلها، مثل اللغات، والمهارات التقنية، والقيادة الشخصية.

 

3) تعليمها الأخلاق والسلوكيات الحسنة: حيث تقوم بزراعة قيم الصدق، والأمانة، واحترام الآخرين، والرحمة بالفقراء، وكن لها قدوة في أخلاقك؛ فالأطفال يتعلمون أكثر بالمشاهدة من التلقين.

 

رابعًا: الجانب الاجتماعي والتنموي

 

1) دمجها في بيئة صالحة: احرص على أن يكون لها أصدقاء صالحون، حتى لا تشعر بالعزلة، وشجّعها على المشاركة في الأنشطة التطوعية، ليكون لديها إحساس بالعطاء لا النقص.

 

2) إعدادها للمستقبل: فكر في مستقبلها، هل ستحتاج إلى تعليم مهني؟ هل تحتاج إلى دعم نفسي مستمر؟ وكن لها ناصحًا في اختيار طريقها بالحياة، لا تفرض عليها قراراتك، بل وجّهها بحكمة.

 

3) إرشادها إلى أن اليُتم قد يكون دافعًا للنجاح، من خلال الآتي:

 

• الاعتماد على الله ثم النفس.

 

• استثمار المشاعر الإيجابية.

 

• البحث عن قدوات صالحة.

 

• تنمية المهارات والتعلم المستمر.

 

واعلم أيها السائل الكريم أن لكفالة اليتيم أجرًا عظيمًا، ويكفي للكافل السير على منهاج سيدنا النبي صلى الله عليه وسلّم، وكل معروف تقدمه لها هو صدقة جارية لك، ويكون بركة في مالك وأهلك، وسعة في رزقك، كما ورد عن النبي ﷺ.

 

وفي الختام:

أنت تقوم بعمل نبيل، وقد تكون هذه الفتاة سببًا في دخولك الجنة. فلا تيأس إن واجهت صعوبات في تربيتها، فالتربية تحتاج إلى صبر وحكمة، وسل الله التوفيق دائمًا. أسأل الله أن يجعلها قرة عين لك، وأن يعوضها عن يتمها خيرًا بحبك وحنانك.