الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
715 - رقم الاستشارة : 1537
07/04/2025
إخوتي الكرام، أنا أمٌّ محبةٌ لدين الله تعالى، سعيتُ أنا وزوجي منذ صغر أبنائنا إلى غرس حبِّ الإسلام في قلوبهم، وتعويدهم على الصلاة والطاعات، لكنهم الآن كبروا، وأصبحت لا أملك السيطرة عليهم كما كان في صغرهم. لاحظت أنهم بدأوا في التهاون بالصلاة، بل يتركونها أحيانًا. أشعر بالحزن والخوف على دينهم، وأخشى أن يزداد الأمر سوءًا. كيف أستطيع أن أعيدهم إلى الصلاة من جديد، بطريقة تناسب أعمارهم وواقعهم؟ أرجو أن ترشدوني بحلول عملية وناجعة، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
أختي السائلة الكريمة، أسأل الله أن يبارك فيك، ويعينك على أداء أمانة التربية، فما أجمل قلب الأم الذي يخاف على أولاده، ويسعى لإنقاذهم من الغفلة! إن فقدان الأبناء للصلة بالصلاة من أكبر هموم الآباء، لكن الباب لم يُغلق، ولا يزال الأمل كبيرًا في عودتهم إلى الله بإذن الله. ودعيني هنا أتساءل معك:
أولًا: لماذا يترك الأبناء الصلاة؟
حيث إنه يلزم لفهم المشكلة، لا بد من معرفة الأسباب التي تجعل الأبناء يتركون الصلاة، والتي قد تشمل:
1) ضعف الوازع الديني: ربما لم تنضج علاقتهم بالله بعد، أو لم يشعروا بعظمة الصلاة.
2) الانشغال بالحياة: قد تكون مشاغل الدراسة، أو الأصدقاء، أو الأجهزة الإلكترونية سببًا في إهمالها.
3) التأثر بالمجتمع: في بعض البيئات، قد يكون عدم الاهتمام بالصلاة أمرًا عاديًا بين أقرانهم.
4) طريقة التوجيه والإرشاد: أحيانًا يكون الأسلوب التربوي فيه نوع من القسوة أو التكرار الذي يجعلهم ينفرون من الصلاة بدلًا من أن يحبوها.
ثانيًا: استراتيجيات فعَّالة لإعادتهم إلى الصلاة
1) غيّري أسلوب الخطاب معهم: فلا تجعلي الحوار معهم عن الصلاة يأخذ طابع التوبيخ أو اللوم الدائم، بل اجعليه دعوة هادئة، تذكيرًا رقيقًا، ونصحًا محببًّا، واستخدمي عبارات مثل: "أنا أدعو لك دائمًا أن تكون من أهل الصلاة؛ لأنني أحب أن أراك قريبًا من الله"، وكمثل: "هل جرّبت أن تصلي وأنت تشعر أنك تقف أمام الله الذي يحبك ويريد أن يسمع صوتك؟".
2) اربطيهم بالله لا بالصلاة فقط؛ فبدلاً من أن يكون تركيزك كله على الصلاة وحدها، اعملي على تقوية علاقتهم بالله نفسه، اجعليهم يحبون الله، ثم ستأتي الصلاة تلقائيًّا، احك لهم عن رحمة الله، عن قربه، عن حبه لعباده.
3) اجعلي الصلاة جزءًا من جو الأسرة اليومي، فكوني أنتِ ووالدهم قدوة لهم في الحرص على الصلاة، دون أن يكون الأمر مجرد أوامر لهم، واجعلي أجواء الصلاة في البيت هادئة، مريحة، ودافئة نفسيًّا، واستثمري اللحظات الأسرية في التحدث عن جمال الصلاة بدلًا من الحديث عنها كواجب ثقيل.
4) استخدمي أسلوب التحفيز بدلًا من العقاب: شجعيهم بأسلوب يشجعهم على التقدم، مثل أن تمنحيهم مسؤوليات دينية، كأن يكون أحدهم هو من يرفع الأذان في البيت، أو يختار الآية التي نتدبرها بعد الصلاة، وقدِّمي لهم مكافآت رمزية حين يلتزمون بالصلاة لفترة.
5) اسأليهم عن السبب ولا تفترضي فقط: اجلسي معهم جلسة هادئة، واسأليهم بحب: "ما السبب الذي يجعلك تؤجل الصلاة أحيانًا؟"، "كيف يمكنني مساعدتك على أن تحب الصلاة أكثر؟"، قد تكتشفين أن هناك أسبابًا تحتاج منك معالجة حكيمة.
6) اغرسي المعاني الإيمانية في قلوبهم: أخبريهم أن الصلاة ليست مجرد أوامر جافة، بل هي: لقاء خاص مع الله الذي يسمعهم ويرى حاجاتهم، وراحة قلبية وشفاء للروح، وليست مجرد حركات ميكانيكية، واستخدمي القصص الملهمة، مثل قصة الصحابي الذي قال: "أرحنا بها يا بلال".
7) الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء: فلا تستهيني بسلاح الدعاء، فقد يهدي الله قلبهم بدعوة صادقة منك في جوف الليل، قولي: "اللهم حبِّب إليهم الصلاة، واجعلها قرة أعينهم كما جعلتها قرة عين نبيك محمد ﷺ".
ثالثًا: ماذا لو ظلوا متهاونين؟
إذا لم تجدي استجابة سريعة، فلا تيأسي أبدًا، فالهداية بيد الله، ودورك هو الاستمرار في التوجيه برفق وإصرار دون ملل. وتذكري أن النبي ﷺ دعا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل إسلامه، وظل سنوات لا يستجيب، حتى جاء يوم قال فيه: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله"، فكانت دعوة النبي هي السرّ وراء ذلك!
وختاما أنصحك بالآتي:
* لا تعتمدي على التوبيخ، بل على الحب والتوجيه الهادئ.
* اجعلي علاقتهم بالله أقوى، وستأتي الصلاة تلقائيًّا.
* استخدمي الحوار، والتحفيز، والقدوة الحسنة.
* لا تتوقفي عن الدعاء لهم، فالهداية بيد الله.
وأسأل الله أن يبارك لك في أبنائك، ويجعلهم من الصالحين القائمين للصلاة.