الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
22 - رقم الاستشارة : 1236
09/03/2025
أنا طالب جامعي أحمل في قلبي حب الدعوة إلى الله، وأشعر بمسؤولية تجاه زملائي الذين أراهم ينشغلون بأمور الدنيا ويغفلون عن كثير من معاني الإيمان. بعضهم يتهاون في الصلاة، وبعضهم غارق في العادات السيئة، وآخرون بعيدون عن التدين تمامًا. أريد أن أكون مؤثرًا فيهم، وأحب أن أرى نور الهداية يشـرق في قلوبهم، لكنني لا أعرف كيف أبدأ؟ وما الأسلوب الأنسب حتى لا ينفروا مني؟ وكيف كان منهج النبي ﷺ في دعوة الناس، خاصة من كانوا بعيدين عن الحق؟ أرشدوني إلى طريق الحكمة في دعوتهم.
أخي الحبيب، ما أجمل ما في قلبك من حرصٍ على الخير، وما أعظم همتك في الدعوة إلى الله! وهذا والله من أعظم النعم، فكم من الناس يعيشون لأنفسهم، وأنت تريد أن تعيش لغيرك، أن تكون شعلة هداية، وسراجًا ينير القلوب، وما أعظمها من رسالة!
أشعر بما في قلبك من غيرة على دينك، ومن شوق لأن ترى زملاءك في رحاب الطاعة، لكن دعني أهمس لك بسـرٍّ مهم: الهداية بِيَدِ الله، وأنت سببٌ فقط، فكن سببًا حكيمًا، رحيمًا، صبورًا.
وإليك الآتي:
أولًا: المنهج القرآني في دعوة الآخرين
إن منهج القرآن في الدعوة يجمع بين الحكمة، والرحمة، والقدوة الصالحة، ومن أعظم القواعد التي وضعها القرآن:
1) اللطف واللين أقوى من الشدة والقسوة: قال الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام وهو يرسله إلى فرعون الطاغية: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾، فإذا كان اللين مطلوبًا مع فرعون، فهو أولى مع زملائك الذين ليسوا طغاة؛ بل هم شباب في مقتبل العمر يبحثون عن طريقهم.
2) القدوة قبل الكلمات، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، ولك أن تُلاحِظ كيف ربطت الآية بين الدعوة والعمل الصالح؛ لأن الناس يتأثَّرون بسلوكك أكثر من خطبك، فكن قدوة مشـرقة، يصلح الله بك غيرك.
3) التدرج وعدم الاستعجال في التغيير، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، وهذا يعني أن الدعوة تحتاج إلى فهم كل شخص، وطريقته، وظروفه، فلا تعامل الجميع بنفس الأسلوب؛ فالبعض يحتاج إلى نصيحة مباشرة، والبعض يحتاج إلى صداقة، وآخرون يتأثرون بدعاء صادق في ظهر الغيب.
ثانيًا: كيف كان النبي ﷺ يدعو الناس؟
سيظلّ النبي ﷺ هو أعظم داعية، وكان منهجه في الدعوة مزيجًا من الرحمة، والصبر، والذكاء في اختيار الأساليب، ومن ذلك:
1) الاحتواء بدل العتاب القاسي: كما في المثال الخاص بالشاب الذي أراد الزنا، فهل صرخ فيه النبي ﷺ؟ لا؛ بل قربه منه، وخاطب عقله وقلبه بأسئلة هادئة حتى جعله يكره المعصية من داخله، ويمكنك مراجعة هذا الحديث في رواية الإمام أحمد في مسنده.
2) بناء الصداقة مع المدعوين: كان النبي ﷺ يكسب قلوب الناس قبل أن يدعوهم، فكان يمزح معهم، ويبتسم، ويشعرهم بحبه لهم، ولهذا كانوا يفتحون له قلوبهم.
3) الدعاء سرٌّ من أسرار التأثير: فكثير ممن تحب هدايتهم قد لا يتقبلون منك الكلام الآن، لكن قلبه بيد الله، فادعُ له في سجودك، واسأل الله أن يهديه.
ثالثًا: وصايا عملية لدعوة زملائك
1) الإحسان قبل البيان، والحُب قبل الدّعوة: أشعرهم أنك تهتم بهم لأجلهم، لا لمجرد أنك (طالب داعية).
2) كن صديقًا قبل أن تكون ناصحًا: اجلس معهم، شاركهم اهتماماتهم المباحة، ثم وجّههم بلطف.
3) استخدم الدعوة غير المباشرة: انشـر الخير بينهم عن طريق مشاركتهم مقاطع مفيدة، أو مواقف جميلة عن الدين.
4) لا تنفرهم بكثرة اللوم: بعضهم يعلم أنه مقصِّـر لكنه يحتاج إلى من يشجعه، لا من يوبخه.
5) افتح لهم أبواب الخير: بدل أن تقول لزميلك "لماذا لا تصلي؟"، قل له: "تعال نصل جماعة ونكسب الأجر معًا".
6) اصبر ثم اصبر ثم اصبر: فالهداية تحتاج إلى وقت، وربما تتغير قلوبهم بعد شهور أو حتى سنوات، فلا تيأس.
7) وأخيرًا، كن نورًا يشع دون أن يحرق: فلا تكن متعجلًا في التغيير، فبعض الصحابة أسلموا بعد سنوات، وبعضهم تأثروا فقط برؤية النبي ﷺ، ودعوة الإسلام ليست فقط كلمات؛ بل هي روح تسري من قلب محب، إلى قلب محتاج.
وأسأل الله -تعالى- أن يجعل منك داعيةً موفقًا، وأن يرزقك الحكمة والبصيرة، وأن يجعلك سببًا في هداية قلوب كثيرة، ونحن على استعداد دائم -إن شاء الله تعالى- للتواصل معك؛ للاستشارات اللازمة لحركتك الدعوية المنضبطة، ووفقكم الله لكل خير.