الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
101 - رقم الاستشارة : 1671
17/04/2025
أنا رجل مغترب عن زوجتي وأولادي، وأجد نفسي كثير التفكير فيهم، مما يسبب لي الحزن والقلق. أريد أن أشغل وقتي في شيء نافع، وأرغب في استثمار غربتي في الدعوة إلى الله والعمل الصالح، لكنني لا أعرف كيف أبدأ، فبماذا تنصحونني؟
أخي السائل الكريم، نرحب بك ابتداء، ولعلي أتذكّر أني أجبت على استشارة منذ وقت قريب، حول أخلاق المغترب وكيفية الدعوة في بلاد الغربة، فيمكنك الرجوع إليها، ضمن الاستشارات الدعوية.
أخلاق-المسلم-عند-السفر-هداية-في-الترحال-وضياء-في-الغربة
ولأن استشارتك تتضمّن جزئية إضافية حول اشتياقك لأهل بيتك، فاسمح لي بعد الدعاء لك بأن يربط الله على قلبك، وأن يعينك على غربتك، ويبارك لك في أهلك ومالك ووقتك، اسمح لي أن أقدّم لك هذا الجواب بشكل خاص لمشكلتك.
أخي المسلم المغترِب الكريم:
إن الغربة ابتلاء، لكنها أيضًا فرصة عظيمة للترقي في الإيمان والعمل الصالح، وأنت قادر -بإذن الله- على تحويلها من مجرد معاناة إلى ميدان خصب للدعوة والعمل النافع، بحيث يكون وقتك مليئًا بالطاعات، فتجد فيه السعادة والراحة النفسية.
وتلك خطوات عملية لاستثمار الغربة في الدعوة والعمل الصالح:
1. اجعل لنفسك أهدافًا واضحة: حدد أهدافًا دعوية وعملية تشغل بها وقتك، مثل: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعلُّم علوم شرعية تفيدك وتفيد غيرك، وتنمية مهاراتك العملية والمهنية، والقيام بالأعمال الخيرية والتطوعية، وقد قال النبي ﷺ: «اغتنم خمسًا قبل خمس... وشبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك» (رواه الحاكم).
2. كن داعية بحالك قبل مقالك: فالدعوة لا تقتصر على إلقاء الخطب والمواعظ، بل يمكن أن تكون بأسلوب حياتك وأخلاقك، وكن نموذجًا للصدق والإحسان في عملك؛ فالناس يتأثرون بالسلوك قبل الكلام، وأظهر التواضع، والحرص على الخير، وكونك مسلمًا صالحًا في بلد غريب قد يكون بحد ذاته دعوة.
3. انضم إلى المراكز الإسلامية والمساجد: تواصل مع المراكز الإسلامية والمساجد القريبة، وشارك في الأنشطة الدعوية، وساعد في تعليم غير المسلمين عن الإسلام، ما أمكن ذلك، أو في تعليم الجالية المسلمة أمور دينهم، كما يلزمك المشاركة في الفعاليات الاجتماعية والإغاثية التي تخدم الجالية الإسلامية؛ انطلاقًا من قول مولانا العظيم: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ﴾.
4. استثمر وقتك في العلم النافع: بأن تجعل لنفسك وردًا يوميًّا من القرآن الكريم، واحرص على تدبر معانيه، ويمكنك الالتحاق بالدورات الشرعية أو استمع إلى دروس العلماء عبر الإنترنت، وطالع الكتب النافعة، سواء في العلوم الشرعية أو في مهارات الحياة وتطوير الذات؛ ففي الحديث: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» (متفق عليه).
5. مارس أعمال الخير التطوعية: قم بزيارة المرضى أو المحتاجين إن كان ذلك ممكنًا، ساعد زملاءك في العمل أو جيرانك في الغربة، قال النبي ﷺ: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» (رواه الطبراني).
6. تواصل مع أهلك بطريقة إيجابية: بحيث تجعل تواصلك مع أهلك وأولادك سببًا في تقوية إيمانهم، لا مجرد أحاديث عابرة عن الغربة والاشتياق، وكن داعيًا في بيتك من خلال مكالماتك، فذكرهم بالصلاة، واقرأ مع أبنائك القرآن عبر الهاتف أو الفيديو، ويمكنك استثمار التقنية الحديثة في بث الروح الإيمانية في بيتك رغم البعد.
7. لا تنسَ نصيبك من الترفيه المباح: خصص وقتًا للرياضة أو المشي لتجديد النشاط، واجتمع مع صحبة صالحة تعينك على الخير وتبعدك عن الوحدة، واستمتع بالهوايات النافعة التي تملأ وقتك وتخفف عنك ضغط الغربة.
ولتزداد همّتك نحو الطمأنينة النفسية وأنت في غربتك فتلك ثمرات استثمار الغربة في الدعوة والعمل الصالح، ومنها ما يأتي:
- الشعور بالطمأنينة والسعادة؛ لأن القرب من الله يملأ القلب راحة.
- تحويل الغربة إلى فرصة للنمو الروحي والفكري.
- تحقيق الأثر الطيب في المجتمع الذي تعيش فيه.
- إبقاء العلاقة الروحية قوية مع أهلك رغم البعد.
- الاستفادة من وقتك بدلًا من إضاعته في التفكير السلبي أو الحنين المفرط.
أخي الكريم، الغربة اختبار، لكنها أيضًا فرصة عظيمة. لا تجعلها سببًا للحزن، بل اجعلها طريقًا للرقي الروحي والدعوي. اشغل وقتك بما ينفعك في دينك ودنياك، وكن سفيرًا للإسلام بأخلاقك وأعمالك، واحتسب كل جهدك عند الله، فهو سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملًا.