Consultation Image

الإستشارة 04/03/2025

أحد أصدقائي في العمل الحكومي يمد يده إلى المال العام بطرق غير مشروعة، ويأخذ من المال الحرام، سواء كان ذلك من الرشوة أو الاختلاس أو استغلال النفوذ، وهو لا يدرك فداحة هذا الأمر. أريد أن أنصحه بطريقة حكيمة تجعله يتراجع عن هذا الفعل دون أن ينفر مني. فكيف يمكنني القيام بذلك؟

الإجابة 04/03/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فمرحبا بك أخي الكريم، وأسأل الله تعالى أن يمدّك بمدده، وأن يعينك بعونه، وأن يرزقك العافية في دينك ودنياك.

 

واعلم أخي بأن من أخطر ما ابتليت به بعض المجتمعات اليوم التهاون في المال العام، حتى صار البعض لا يرى حرجًا في أخذه بغير حق، ناسيًا أو متناسيًا أنه أمانة عظيمة سيُسأل عنها يوم القيامة.

 

لذا، فإن نصيحتك لهذا الصديق واجب شرعي وأخلاقي، وهو من باب التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

 

وإليك وإليه وإلى الجميع، ما يأتي:

 

أولًا: المال العام أمانة وليس غنيمة

 

- المال العام ليس مالًا مباحًا، بل هو أمانة في عنق كل موظف ومسؤول، وسيحاسب الله كل من خان هذه الأمانة، وفي الحديث: "إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة".

 

- فالتصرف في المال العام بغير وجه حق، سواء بالاختلاس، أو استغلال المنصب، أو التحايل على القوانين، هو خيانة واضحة للأمانة.

 

ثانيًا: خطورة أكل المال الحرام

 

- سبب لعقوبة الله في الدنيا والآخرة، وقد قال النبي ﷺ: "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به"، وقد يبدو المال الحرام نافعًا في الدنيا، لكنه ممحوق البركة، ويجر على صاحبه المصائب والعقوبات.

 

- مانع لقبول الأعمال والطاعات، ومن المأثور قول النبي ﷺ في الرجل الذي يرفع يديه بالدعاء: "ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له".

 

- والمال الحرام يحجب استجابة الدعاء، ويجعل الطاعة غير مقبولة.

 

- كما أنّه سبب لضياع البركة وهلاك المجتمع، وانتشار الفساد المالي يؤدي إلى انهيار الدول والمجتمعات؛ لأن العدل هو أساس الاستقرار، وأكل المال الحرام يقتل هذا العدل.

 

ثالثًا: التوبة والرجوع إلى الله:

 

فمن رحمة الله أن باب التوبة مفتوح، فمن وقع في أكل المال الحرام يمكنه أن يتوب بشروط:

 

- الإقلاع عن الحرام فورًا وعدم الاستمرار فيه.

 

- الندم الصادق على ما فات.

 

- إرجاع الحقوق إلى أهلها، فإن لم يستطع، تصدّق بها بنية التخلص منها.

 

- العزم على عدم العودة إلى هذا الذنب مرة أخرى، فـ"التائب من الذنب كمن لا ذنب له".

 

رابعًا: كيف تنصح هذا الصديق بحكمة؟

 

- البدء باللين والتلميح غير المباشر: حدثه عن الأمانة في الوظيفة، واستشهد بقصص الصالحين الذين حفظوا أماناتهم، وذكّره بعواقب المال الحرام دون أن تواجهه مباشرة في البداية.

 

- استخدام أسلوب الترغيب والترهيب، ويمكنك أن تبين له فضل الأمانة وأثرها في سعة الرزق وحب الناس، وأخبره أن المال الحرام لا يدوم، بل يجلب المصائب والندم.

 

- التذكير بالموت والآخرة، اسأله: ماذا ستقول لله إذا وقفت بين يديه وسألك عن هذه الأموال؟ وأخبره بقصص أناس جمعوا المال الحرام ثم انتهى بهم الحال في الندم والخسران.

 

- عرض البدائل الحلال: اقترح عليه أن يسعى لتحسين دخله بطرق مشروعة بدلًا من أكل الحرام، وذكّره أن القليل من الحلال خير من الكثير من الحرام.

 

- الدعاء له بظهر الغيب؛ فالهداية بيد الله، فلا تتوقف عن الدعاء له بأن يفتح الله قلبه للتوبة.

 

وختامًا: كيف نصحح سلوك المخطئ في حق المال العام؟

 

ويتمثل ذلك في الخطوات العملية التالية:

 

- التذكير بالحلال والحرام من خلال الوعظ بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

- التعاون على التوبة، فقد يكون بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي ليترك الحرام.

 

- توجيهه إلى العلماء والصالحين ليكونوا قدوة له.

 

- تحذيره من العواقب القانونية، فالدولة قد تعاقب المختلسين، إضافةً إلى العقوبة الأخروية.

 

- محاصرته بالبيئة الصالحة، فليبحث عن رفقة تعينه على الخير.

 

ونسأل الله أن يهدي صديقك، ويطهر ماله وقلبه، وأن يجعلنا جميعًا من الأمناء الصادقين الذين يسيرون في دروب الحلال، ويبتعدون عن الحرام.