Consultation Image

الإستشارة 22/03/2025

أنا أبٌ لعددٍ من الأبناء، وألاحظ فيهم إسرافًا في استخدام الماء، وتبذيرًا في الأغراض الحياتية، مما يسبب هدرًا للمال والموارد، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها الأسر والعائلات اليوم. كيف أعود أبنائي على ترشيد الاستهلاك ليكونوا أكثر وعيًا ومسؤولية، دون أن يشعروا بالحرمان أو التقصير؟ وما هي الثمرات التي يمكن أن نجنيها من غرس هذا السلوك في نفوسهم؟

الإجابة 22/03/2025

أخي الكريم، بارك الله لك في أبنائك وجعلهم قرة عين لك، وجزاك الله خيرًا على حرصك على تربيتهم على القيم الإسلامية الأصيلة.

 

إن ترشيد الاستهلاك من الأخلاق الإسلامية العظيمة التي دعا إليها الشرع الحنيف، فهو ليس مجرد سلوك اقتصادي، بل هو منهج حياة يعكس الوعي والمسؤولية وشكر النعمة، ويؤدي إلى بركة الرزق وحسن التدبير، وأمر ترشيد الاستهلاك له حقائقه وضوابطه وثمراته، فضلا عن آدابه ومهاراته.

 

واسمح لي هنا أن آخذك في تطوافة سريعة حول بعض تلك الأمور، وذلك على النحو التالي..

 

أولًا: الأساس الشرعي لترشيد الاستهلاك

 

- لقد حثّنا القرآن الكريم والسنة النبوية على الاقتصاد في الاستهلاك وتجنب التبذير والإسراف، فقال الله تعالى: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ﴾، وقال عز وجل: ﴿وَكُلُوا وَٱشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوٓا إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ﴾.

 

- كما أن النبي ﷺ أرشد إلى الاعتدال حتى في أعظم العبادات، فقد كان يتوضأ بالقليل من الماء، وقال: «لا تسرف في الماء، ولو كنت على نهر جارٍ».

 

- وكان الصحابة والسلف الصالح نموذجًا في الترشيد وحسن التدبير، فقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان شديد الحرص على عدم إهدار المال، وكان يوجه رعيته إلى التوسط في الإنفاق وعدم مجاراة الترف.

 

ثانيًا: كيف نُعوِّد الأبناء على ترشيد الاستهلاك؟

 

يمكن تحقيق ذلك من خلال عدة وسائل تربوية وعملية:

 

1. القدوة العملية؛ فالأبناء يتعلمون من أفعالنا أكثر مما يتعلمون من أقوالنا، فإذا رأوا الوالدين حريصين على الاقتصاد في الماء والكهرباء والاستهلاك اليومي، فإنهم سيكتسبون هذه العادة تلقائيًّا.

 

2. التوعية بالمفاهيم الإسلامية والبيئية؛ حيث يمكن ربط الترشيد بحب الله وشكره على نعمه، وتوضيح أن التبذير نوع من كفران النعمة، وأن الاقتصاد سببٌ لدوام البركة، فضلاً عن تعليمهم أن الموارد التي نستهلكها ليست بلا نهاية، وأن الحفاظ عليها مسؤولية تجاه الأجيال القادمة.

 

3. التعليم بالممارسة والتجارب، من خلال إشراكهم في تحديات منزلية، مثل: "توفير الماء لأسبوع" أو "تقليل استهلاك الكهرباء"، وتحفيزهم بالمكافآت عند تحقيق النجاح، وجعلهم مسؤولين عن بعض المصاريف البسيطة ليشعروا بقيمة المال والموارد.

 

4. تعويدهم على استخدام الأشياء بحكمة، من خلال تعليمهم كيفية إعادة تدوير الأشياء والاستفادة منها بدلًا من رميها، وتشجيعهم على الاعتناء بممتلكاتهم لتدوم فترة أطول.

 

5. إظهار عواقب الإسراف بطريقة تربوية، ويمكنك توضيح أثر التبذير من خلال عرض مشكلات العالم مثل نقص المياه والجفاف والفقر، مما ينمي لديهم الشعور بالمسؤولية، كما ينبغي ربط الاستهلاك غير الرشيد بالعواقب الشخصية، مثل زيادة الفواتير وتأثيرها على القدرة على شراء أشياء أخرى مفيدة.

 

ثالثًا: ثمرات ترشيد الاستهلاك

 

ويتمثل ذلك في الآتي:

 

- بركة المال والموارد: فـ "الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة".

 

- تعزيز المسؤولية والاستقلالية لدى الأبناء.

 

- المساهمة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.

 

- الاستغناء عن الديون والضغوط المالية.

 

- بناء شخصية متزنة تعرف قيمة الأشياء وتقدر النعمة.

 

رابعًا: نصائح للأهل في غرس هذا السلوك

 

1. لا تجعل الترشيد مرادفًا للبخل، بل وضِّح أنه توازن بين التبذير والإمساك.

 

2. اجعل الأمر ممتعًا، مثل إقامة مسابقات منزلية في الاقتصاد في استخدام الموارد.

 

3. قدّم بدائل عملية، فإذا قللت من شراء الألعاب الجديدة، فاستبدل بها أنشطة ممتعة أخرى.

 

4. احترم أعمار الأبناء وقدراتهم؛ فالأطفال الصغار يحتاجون إلى تحفيز بصري وعملي أكثر من مجرد الأوامر.

 

5. ثبّت القيم في وجدانهم، عبر القصص القرآنية والنبوية عن بركة الاقتصاد وسوء عاقبة الإسراف.

 

يا كل أب وأم..

 

يا كل معلّم..

 

إن غرس ثقافة الترشيد في الأبناء ليس مجرد سلوك اقتصادي، بل هو عبادة وخلق نبيل يربطهم بالله ويجعلهم أكثر وعيًا ومسؤولية. وإذا نشأوا على هذه العادة، فإنهم سيحملونها معهم في حياتهم المستقبلية، ليكونوا أفرادًا نافعين لأسرهم ولمجتمعهم. ونسأل الله أن يجعل أبناءنا قرة أعين لنا، وأن يعيننا على حسن تربيتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الرابط المختصر :