Consultation Image

الإستشارة 28/03/2025

أنا خطيب جمعة وخطيب جماهيري، وأشعر أن خطبة العيد يجب أن تكون أكثر من مجرد موعظة تقليدية تجمع الأدلة والآثار، بل يجب أن تمس واقع الأمة الإسلامية والمجتمع العربي، خاصة في ظل ما نراه من مآسٍ في فلسطين المحتلّة، والتوترات التي تعيشها الأمة اليوم. فكيف يمكنني أن أجعل خطبتي يوم العيد رسالة وعي وتوجيه وبناء، لا مجرد كلمات عابرة؟

الإجابة 28/03/2025

أخي الداعية الهُمام، أحمد الله أن رزقك هذه الهمّة وتلك الحُرقة الإيمانية، وهذا الوعي المستنير بعمق رسالة الداعية في الحياة، واسمح لي أن أستثمر هذه الاستشارة لصالح دعاتنا جميعًا في كل الأقطار، وذلك ببيان ما يأتي:

 

1) خطبة العيد ليست مجرد مناسبة احتفالية؛ بل هي منبرٌ فريد يجتمع فيه المسلمون من كل الفئات، كبارًا وصغارًا، علماء وعامة، صالحين وغيرهم، فهي فرصة ذهبية لتوجيه الأمة وإيقاظ الوعي وتثبيت القيم الإسلامية في القلوب والعقول.

 

2) في ظل الأوضاع العصيبة التي تمر بها الأمة، يجب أن تكون خطبة العيد نبضًا للأمة، ومرآةً لواقعها، وهمزة وصلٍ بين تعاليم الدين والتحديات المعاصرة.

 

3) كيف تبني خطبة عيد تمس الواقع؟

 

وأجيبك على ذلك بالآتي:

 

* ابدأ ببناء الوعي قبل العاطفة: فلا تجعل الخطبة مجرد عاطفة مؤقتة تنتهي بانتهاء العيد، بل اجعلها دعوة للوعي، وفتحًا للعقول، عبر التأكيد على القضايا الكبرى التي تمس الأمة، وتحدث عن نعمة العيد، وربطها بشكر الله عبر مناصرة المستضعفين والمظلومين، وليس فقط عبر الفرحة الشخصية، واربط العيد بمفهوم الأمة الواحدة، كما قال النبي ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (رواه مسلم)، فضلاً عن بيان أنَّ الفرحة الحقيقية لا تكتمل وأمتنا تعاني، فكما نفرح نحن، هناك من يُحرم من الفرحة، ومن حقهم علينا ألا ننساهم.

 

* استخدم القرآن والسنة بوعي وتطبيق عملي: فبدلًا من مجرد الاستشهاد بالنصوص، اجعلها حية نابضة تلامس الواقع، كمثل قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، فهل نعي معنى هذه الأخوة ونحن نرى شعبًا مسلمًا يُقصف ويحاصر؟ وفي الحديث: "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع"؛ فهل نشعر بجوع إخواننا في غزة وسوريا واليمن؟ وفي القرآن: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، فأين نحن من هذا التعاون اليوم؟

 

* اجعل للخطبة أثرًا عمليًّا:

 

فمن الأخطاء الشائعة أن تظلّ خُطب العيد مجرد كلمات بلا نتائج، فاجعل خطبتك ذات بُعد عملي يُترجم إلى أفعال، مثل:

 

- الدعوة إلى دعم المظلومين ونصرتهم، مع الدعوة إلى التبرع للمحتاجين وإغاثة المنكوبين، عبر القنوات الرسميّة في الدولة لذلك الغرض، مع العمل على نشر الوعي بالقضية الفلسطينية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فضلاً عن دعم المنتجات الإسلامية والمقاطعة الاقتصادية للمحتل.

 

- إصلاح الواقع المحلي للأمة، وذلك بترسيخ قيمة الوحدة ونبذ الفرقة، والتأكيد على أن ضعف الأمة سببه تنازعها، مع تعزيز قيم العمل والإنتاج، فلا عزّة للأمة إلا بامتلاك القوة العلمية والاقتصادية، فضلاً عن الدعوة إلى العودة للقرآن والسنة كمنهج حياة، وليس مجرد شعائر موسمية.

 

- إحياء دور العيد في الإصلاح الاجتماعي، عن طريق الدعوة إلى مصالحة المتخاصمين، وبيان أن العيد لا يكون عيدًا بقلوب مليئة بالحقد، وتشجيع زيارة الفقراء والأيتام والمساكين، وإدخال السرور على قلوبهم، وتعزيز قيمة التكافل الاجتماعي، فالزكاة والصدقة ليست تبرعًا، بل حقٌ للأمة على أبنائها.

 

* اجعل خطبتك جامعة بين الأصالة والمعاصرة: فلا تجعل الخطبة فقط سردًا للماضي دون ربطه بالحاضر، مع استخدام لغة مؤثرة، سلسة، واقعية، تجمع بين قوة البيان وسهولة الفهم، واجعل الخطبة محفّزةً، لا محبطةً، فبدلًا من الحديث عن ضعف الأمة بأسلوب يائس، تحدث عن الأمل في التغيير والمسؤولية الفردية في الإصلاح.

 

أخي الخطيب:

 

خطبة العيد ليست مجرد محطة وعظية، أو وظيفة منبرية وتنتهي بنزولك من على المنبر الدعوي؛ بل منبر تغيير ووعي وإحياء لقيم الإسلام في النفوس، فاجعل خطبة العيد رسالةً توقظ الغافلين، وتُحيي روح الأخوة، وتدفع الناس نحو العمل الجاد لإصلاح واقعهم وأمتهم، حتى يكون العيد حقًّا عيدًا للجميع. نسأل الله تعالى أن يُفرح قلوبنا جميعا قريبًا بعودة مجد الإسلام ورفع الكرب عن المكروبين من عباد الله في كل مكان.

الرابط المختصر :