الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
49 - رقم الاستشارة : 1333
15/03/2025
أنا جار لأحد المسيحيين، وقد سمعتُ كثيرًا من بعض الأشخاص المتشددين الذين يفسـرون بعض آيات القرآن على أنها تأمر بقتل غير المسلم، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} لكنني أوقن أن الله رحيم وعادلٌ، ولا يمكن أن يأمر بقتل الأبرياء بهذا الشكل. فكيف ينبغي عليّ أن أتعامل أولًا مع هذه المفاهيم الخاطئة وأفهم الآية بشكل صحيح؟ ثم كيف أتعامل مع جاري غير المسلم معاملة إسلامية ترضي الله ورسوله، وتعكس الصورة الحقيقية للإسلام؟
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهنيئا لك أخي السائل الكريم، هذه الروح الوثابة في البحث عن الفهم الصحيح وعدم الاستسلام للقيل والقال دون سؤال، واعلم أخي الكريم بأن الإسلام جاء لهداية البشـرية، ونشـر الرحمة، وتحقيق العدل، وليس لنشـر العنف والعدوان.
وقد شُوِّهت معاني بعض النصوص القرآنية والحديثية، إما بسبب الجهل، أو بسبب الفهم القاصر، أو بسبب تأويلها خارج سياقها. ومن ذلك الادعاء بأن الإسلام يأمر بقتل غير المسلمين لمجرد كونهم غير مسلمين، وهذا افتراء على دين الله، وجهل بمقاصد الشريعة،
وإليك الآتي:
أولًا: تصحيح الفهم الخاطئ للآية
إنّ الآية التي استشهدتَ بها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} والتي وردت في سورة التوبة، وقد نزلت في العام التاسع من الهجرة المباركة، لا تتحدث عن قتل غير المسلمين لمجرد كونهم غير مسلمين، وإنما هي تتحدث في سياق القتال المشـروع ضد المعتدين الذين يقاتلون المسلمين ويهدِّدون أمنهم، وهذا يتضح من عدة أمور:
1) أن الإسلام لا يجيز القتال إلا في حالة العدوان، كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
2) أن القرآن أمر بعدم قتل غير المقاتلين من غير المسلمين، كما قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، وهذه الآية -كما ترى- تدعو إلى البر والإحسان لغير المسلمين الذين لا يحاربون المسلمين.
3) أن النبي ﷺ أوصى بحسن معاملة أهل الذمة والمعاهدين، وقال: (من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة) وفي بعض الألفاظ والروايات أنّ النبي سيكون خصيمه يوم القيامة.
إذن، فالآية لا تعني القتل العشوائي؛ بل تتحدث عن مواجهة المعتدين فقط، وفق قواعد العدل التي وضعها الإسلام، فضلا عن كون لفظة (قاتلوا) ليس معناها (اقتلوا) إلى غير ما ورد في الردّ على هذا الفهم السقيم.
ثانيًا: كيف تتعامل مع جارك غير المسلم؟
لقد وضع الإسلام منهجًا راقيًا في معاملة غير المسلمين، خاصة الجيران، ومن أهم القواعد التي يجب الالتزام بها:
1) الإحسان إلى الجار بغض النظر عن دينه: قال النبي ﷺ: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”، ولم يفرق بين المسلم وغير المسلم، بل جعل للجار حقًا بغض النظر عن دينه.
2) العدل في التعامل معه: قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
3) المعاملة بالأخلاق الحسنة: فالنبي ﷺ تعامل مع غير المسلمين بأرقى الأخلاق، وكان جاره اليهودي يؤذيه، لكنه ﷺ كان يحسن إليه، وعندما مرض زاره ودعاه إلى الإسلام، وكان النبي ﷺ يقبل الهدايا من غير المسلمين، ويعاملهم بالعدل والرحمة.
4) التعاون في الأمور الدنيوية: فالإسلام لا يمنع التعامل التجاري، ولا تبادل المصالح، بل يحث على التعاون في الخير.
5) الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة: فإذا كنتَ ترغب في دعوة جارك إلى الإسلام، فليكن ذلك بالقدوة الحسنة والمعاملة الطيبة، وليس بالإجبار أو الجدال العقيم، قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].
ثالثًا: مسؤوليتك في نشر الفهم الصحيح بين الناس
بعد أن تفهم هذه الحقائق، عليك مسؤولية في تصحيح المفاهيم المغلوطة، وذلك من خلال ما يأتي:
1) نشر العلم الصحيح حول معاني الآيات، وبيان سياقها الصحيح.
2) تحذير الناس من الفهم المتشدد والمغلوط للنصوص الدينية.
3) نشـر ثقافة الرحمة والتسامح، وبيان أن الإسلام دين عدل وسلام، وليس دين عنف.
4) تشجيع الناس على حسن معاملة غير المسلمين، خاصة الجيران، والابتعاد عن العداوات غير المبررة.
واعلم ختامًا أنّ الإسلام دين يُبنى على الرحمة والعدل، وليس على العنف أو الظلم. ومنهج النبي ﷺ في التعامل مع غير المسلمين هو الرحمة، والإحسان، والعدل، وهذا ما يجب أن نتمسك به في حياتنا اليومية.
فاجعل جارك غير المسلم يرى الإسلام في أخلاقك قبل أن يسمعه في كلامك، وكن سفيرًا حسنًا لهذا الدين العظيم. وانشـر هذه المعاني بين الناس، ليعرفوا أن الإسلام جاء رحمة للعالمين، وأسأل الله تعالى أن يجعلك سببا لهداية الخلق ودلالتهم عليه.