ولدي العزيز، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرًا على دعائكم وكلماتكم الطيبة، ونسأل الله أن يجعل هذا العمل نافعًا مباركًا، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وبعد...

فإني أُقَدّر بالطبع مشاعرك وعواطفك تجاه تلك الفتاة، والحقيقة –في رأيي– أن ما ينبغي أن تفكر فيه –ما دمت تحبها– ليس كونها ترتدي الحجاب الآن أم لا، وإنما ما يجب أن تفكر فيه وتبحثه هو استعدادها المستقبلي للامتثال لأوامر الله -عز وجل- عامةً، والتي يمثل ارتداء الحجاب واحدًا من تلك الأوامر.

واعلم أن الحجاب ليس غطاءً يوضع على الرأس، أو رداءً يغطي الجسم فقط، بل هو أسلوب حياة كامل، يُعَد ارتداء الملابس الساترة أحد مظاهره.

فلا ينبغي أن يكون مجرد عدم حجابها مانعًا للارتباط بها من أول وهلة، فربما لم تَجِد هذه الفتاة في الوسط الذي تعيش فيه مَن ينصحها ويرشدها ويبين لها تعاليم دينها، ومنها أهمية الحجاب ووجوبه على المرأة المسلمة، وربما كانت تؤدي شعائر الإسلام الأخرى، وتتميز بالأخلاق الفاضلة الحسنة، وينقصها زوج ذو دين يأخذ بيدها ويسير بها في الطريق الصحيح؛ لذا فإن تركك للارتباط بها دون أن تتعرف على خلفيات حياتها، يُعَد ظُلمًا لها إن رضِيَت بك زوجًا.

ومما يفيد فتاتك ويساعدك (بعد خطبتها) على دعوتها –بجانب النصيحة والإرشاد عبر الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية- أن تحيطها بصحبة طيبة من فتيات ملتزمات في مثل سنها، فهُنَّ أقدر على دعوتها، بشرط أن يكُنَّ واعيات، يفقهن سُبُل الدعوة ويُجِدْن استخدام وسائلها.

وفي هذا الصدد –ولدي الحبيب– أنصحك، وأحذرك، من أن تمتثل هذه الفتاة، وترتدي الحجاب لمجرد إرضائك والحفاظ عليك، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

أما إذا تمت الخِطبة، وبذلت جهدك في توضيح تعاليم دينها، مستخدمًا الأساليب الحكيمة والوسائل المناسبة لدعوتها، ومع ذلك لم تجد منها استجابة، وأصرت على موقفها الرافض لاتباع أوامر الله -عز وجل- فاعلم -يا بني- أن من لا تعظم شعائر الله، لن تعظم -غالبًا- حقوق زوجها، ولن تكون جديرة بحفظ بيت وأسرة وأبناء، إلا أن يشاء الله، فأنت تضع حياتك ومصير أسرتك المستقبلية على المحك، ربما يهديها الله مستقبلًا للحجاب، وربما لا، لذا، فإن الأفضل لك في هذه الحالة -إن كنت لن تستطيع الصبر عليها- أن تنهي الأمر دون تردد أو حزن، وثق أن الله سيعوضك خيرًا منها، ما دامت نيتك البحث عن ذات الدين، فما عند الله خير وأبقى، ومع مرور الوقت سيخفت حبك لها حتى ينطفئ ويتلاشى.

واعلم يا أخي أن دوافع خطبة المرأة في الإسلام ليست الجمال فقط، وإنما هو آخر الدوافع اعتبارًا لمن أراد أن يبني بيتًا مسلمًا موفقًا بحق، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «تُنكَح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّين تَربَتْ يداك» [رواه البخاري].

والجمال يذهب ويزول، وينمحي جذبه وتأثيره سريعًا، أما الاعتبارات الأخرى فهي الباقية، وهي الحاكمة في علاقة الزوجين مدى الحياة.

ولا تنسَ –يا ولدي- أن تستخير الله عز وجل، وتستشير من تثق في دينهم وعقلهم، ممن يعرفون تلك الفتاة وأسرتها، وأسأل الله -عز وجل- أن يكتب لك الخير حيث كان، ويرضيك به، وتابعنا بأخبارك.