الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
37 - رقم الاستشارة : 996
17/02/2025
بدي احكيلكم قصة وما بعرف إذا في حد ممكن يساعد لو بكلمة.. قبل 4 شهور أختي كسرت صحن وماما دعت عليها روحي الله يكسر قلبك.. فجأه كمية الهدوء صارت في بيتنا مو طبيعية.. رجعت أختي حكت لماما اسفة رح اشتري طقم كامل مثله بس امانة ترضي عني وتستغفري والله مهو بقصدي رجعت ماما ردت عليها حسبنا والله ونعم الوكيل ان شاء الله بشوفك مكسورة وبتتحسري اختي سكتت وفاتت على غرفتها ومر اليوم طبيعي بس كمية الهدوء ما عمري حسيت فيها بكل حياتي اختي بعد هالموقف تعبت وملامحها تعبت من لما نفوت ننام لوجه الفجر بتعيط خسرت من وزنها 18 كيلو في 4 شهور الي مضو (ما بتاكل ابدا) بس مي ممكن وما بتحكي بس بتعيط ادعوا ربنا يريح بالها ويهدي ماما.
الحمد لله والصلاة والسلام على إمامنا وقدوتنا، أبرّ الناس بربه، وأرحمهم بالخلق، وبعد:
فإنّ هذه القصة التي تحكيها -أختي الكريمة- تحمل الكثير من الألم، وتعكس أثر الكلمات القاسية، خاصة إذا صدرت من الأم، التي يفترض أن تكون مصدر الحنان والأمان.
واعلمي أنّ ما سألتِ عنه هيّجَ في نفسي أحداثَا وذكريات لقصص ونماذج عديدة، فهم فيها بعض الناس قضية البرّ بشكل مخالف للشرع الحكيم، سواء من آباء أو أبناء...
واسمحي لي أن أستثمر تلك الاستشارة؛ لنخاطب الآباء والأمهات، فضلا عن الأبناء والبنات -سواء بسواء-، عن بعض الحقائق الضرورية، وذلك على النّحو التالي:
- الحقيقة الأولى: الدعاء على الأبناء أمر خطير، فقد حذّر النبي ﷺ منه؛ لأن دعوة الوالد قد تكون مستجابة، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلّم- عن الدعاء على النفس والخدم والولد والمال، فقال صلى الله عليه وسلّم: (لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ).
- الحقيقة الثانية: المشكلة هنا ليست فقط في الكلمات؛ بل في تأثيرها النفسي على الأخت، التي يبدو أنها دخلت في حالة اكتئاب، إما نتيجة للشعور بالذنب والخوف من تحقق الدعوة، أو نتيجة الإحساس بالقهر التربوي.
- الحقيقة الثالثة: ليس كل دعاء من الأمّ مُستجاب؛ فقد تكون ظالمة بدعائها على بعض أبنائها وبناتها؛ خاصة أنّه قد يكون الابن أو البنت من أبرّ الناس بأُمّه، لكن بطبيعتنا البشرية، وربما لوساوس شيطانيّة، أو لفتنة زرعها إنسيّ ظالم، فكان ما كان، وليس معنى ذلك أن يقسو الولد على والده أو على والدته، ولكن هذه حقيقة لا بد من إقرارها ابتداءً.
وإليك بعض الحلول الواقعية والعملية:
1. التوجه للأم ومحاولة إقناعها بالاستغفار والدعاء بالعكس؛ ويمكن إدخال وسيط تثق فيه، وتسمع له الأم؛ فالأم قد لا تدرك خطورة ما قالت، وربما قالت ذلك في لحظة غضب، لكنها لا تقصد فعليًّا أن يصيب ابنتها مكروه.
2. حاولوا التحدث إليها بلطف، وأخبروها أن النبي ﷺ كان يستعيذ بالله من دعوة الوالد على ولده، وذكّروها بقوله ﷺ: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم"، كما سبق بيانه.
3. أخبروها -من خلال أخيها أو أختها أو من تثق في كلامها أو بحديث عالِم في مسجد تصلي فيه ليتحدث بشكل عام- حتى ترضى عن أختكم، وتدعو لها بالعافية والفرح؛ لأن دعاءها بالخير قد يكون مستجابًا كما كان دعاؤها السابق مخيفًا، ولا مانع من تذكيرها ببعض القصص والنماذج لأمهات دعت على أبنائها فاستجيب لها، ثم ندمت في وقت لم ينفع فيه الندم؛ كحال أم جريج العابد حين دعت على ولدها: (اللهم لا تُمته حتى يرى وجوه المومسات) وحدث!! وكقصة تلك المرأة التي دعت على ولدها (أراك مُقطَّعًا أمام عيني) فجاءها آخر النهار في نفس اليوم وقد أُصيب في حادث ومات، وما أعادته دموعُها.
4. احتضان الأخت نفسيًّا وإخراجها من هذه الحالة؛ فأختك بحاجة إلى دعم نفسي كبير، فلا تتركوها وحدها، واقتربوا منها، اجلسوا معها، احتضنوها بالكلمات الدافئة، وذكّروها أن الله رحيم ولن يأخذها بغير ذنب، وليس بظالم ليقبل دعوة ظالمة.
5. لا بد من إقناعها بأن ما حدث كان غضبًا لحظيًّا من الأم، وأن الأمور يمكن إصلاحها، وألا تستسلم لهذا الشعور المدمر، ولو زادت حِدّة الاكتئاب وخفّ وزنها أكثر من ذلك كما تقولين، وفي هذه المدة، فيمكن أخذها لطبيب نفسي إن استمر وضعها في التدهور؛ لأن فقدان الوزن بهذا الشكل وعدم الأكل قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة.
6. التقرب إلى الله والاستغفار: علموها أن تستعين بالله، وأن تستغفر كثيرًا، وتردد أدعية إزالة الهم، مثل: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال".
7. أخبروها أن الله رحيم، ولو كانت الدعوات السيئة تستجاب دائمًا، لكان كثير من الناس في مصائب عظيمة، ولكن الله بلطفه يدفع الشر عن عباده.
8. التأكيد على أهمية الحوار العائلي المفتوح؛ حتى لا تتكرر مثل هذه المواقف، فربما يكون هناك مشاكل أعمق تحتاج إلى معالجة.
9. تقديم اقتراحات عملية قابلة للقياس؛ لإعادة الأخت إلى حالتها الطبيعية، مثل إشراكها في أنشطة ترفيهية أو دينية، أو إبعادها مؤقتًا عن جوّ المنزل إذا كان يزيد حالتها سوءًا.
10. توضيح أن إحسان الابنة إلى أمها رغم ما حدث سيجعل قلب الأم يلين مع الوقت، وأنّ الصبر مفتاح التغيير، مع تذكّر عِظم الثواب من الله تعالى، فالإحسان مفتاح للين القلب، وكما قال القائل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ** فطالما استعبد الإحسانُ إنسانا
وختامًا:
فإنّ الموقف مع صعوبته، لكنه ليس نهاية الحياة. ومفتاح الحل هو رضا الأم، واحتضان الأخت نفسيًّا، والدعاء الصادق، ولا تتركوها تغرق في الحزن، وقوموا بأي شيء يمكن أن يعيد لها الأمل والطاقة للحياة من جديد، وأنتم أدرى بمفاتيح شخصياتها، وما يُساعدها ويُسعدها...
ونسأل الله تعالى أن يريح بالها، وأن يرزقها وإياكم الطمأنينة والسعادة، وأن يكتب السكينة للأم الوالدة، وأن يرزقها عافية في دعواتها ولسانها، وأن يحفظكم جميعًا بحفظه، وشكر الله تواصلك الكريم، وأبلغينا بكل جديد… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.