23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 11/01/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أ.د/ عادل هندي - مشكورا لديّ استشارة مهمة تؤرّقني وتُشغلني كثيرا هذه الفترة أنا أعمل في مجال تحفيظ القرآن الكريم للشباب والبنات في أحد المراكز القرآنية، وأطمح أن يكون هذا العمل وسيلة دعوية تؤثر في حياتهم، وتساهم في هدايتهم وتقوية إيمانهم.، والسؤال: كيف يمكنني أن أوظف تحفيظ القرآن توظيفًا دعويًا يجعل من حفظهم للقرآن سببًا لتغيرهم للأفضل والتزامهم بطاعة الله؟ وما هي الوسائل التي تساعدني على تحقيق هذا الهدف؟

الإجابة 11/01/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

أخي السائل الكريم: في البداية أسأل الله -تعالى- أن يبارك في عملك ويجعله خالصًا لوجهه الكريم، فأنت على ثغر عظيم من ثغور الدعوة إلى الله، وهو تعليم كتاب الله تعالى، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلّمه).

واعلم أخي الحبيب: بأنّ تحفيظ القرآن ليس مجرد تعليم ألفاظ وآيات؛ بل هو رسالة دعويةعظيمة إذا أحسنت استثمارها بطريقة تُلهم قلوب الشباب وتغرس فيهم حب الله ورسوله، وتحفزهم للسير على طريق الاستقامة.

وحتى نكون عمليين إليك بعض النصائح التطبيقية لتوظيف حلقات تحفيظ القرآن الكريم توظيفًا دعويًّا، وهي على النّحو التالي:

أولا: استحضار النية الصادقة

اجعل نيتك دائمًا أن يكون تحفيظ القرآن وسيلة لإيصال رسائل الهداية، وتذكير الطلاب بربهم. فكل حرف يتعلمونه منك هو حسنة لك ولهم، ومع كل آية يتدبرونها تُفتح لهم أبواب الهداية، ويمكنك قبل بداية كل جلسة تحفيظ، أن تذكّرهم بفضائل القرآن الكريم، وأنه كتاب هداية، وأن يشفع لصاحبه يوم القيامة، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9].

ثانيًا: ربط الآيات بالواقع

فعندما تحفِّظ الطلاب آيات من القرآن، حاول أن تربطها بواقعهم وحياتهم اليومية، ووضِّح لهم كيف يمكنهم تطبيق هذه الآيات عمليًّا. ولنفترض أنَّك كنت تحفّظهم سورة الحجرات، اشرح لهم أهمية الأخلاق التي جاءت في السورة، مثل اجتناب الغيبة، والظن السيئ، وأهمية الأخوة. ففي قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13) ناقش معهم كيف أن الله ينظر إلى قلوبهم وأعمالهم وليس إلى أشكالهم أو ألقابهم.

ثالثًا: تعزيز التدبر والحوار لدى المستهدَفين بالتحفيظ

اجعل جلسات التحفيظ فرصة للحوار والتدبر، واطرح عليهم أسئلة تدفعهم للتفكير في معاني الآيات وتأثيرها على حياتهم، اسألهم: ما الذي تعلمناه من هذه الآية؟ كيف يمكن أن نطبق هذه الآية في حياتنا؟ ما أثر هذه الآية في قلبك؟

رابعًا: القدوة الحسنة

تذكَّر أن الطُّلاب يتأثَّرون بأخلاق المعلم وسلوكه أكثر من كلامه. كن لهم قدوة في الالتزام والجدية وحسن الخلق، إذا تحدَّثت عن الصبر من خلال الآيات، احرص على أن يروْك صبورًا في تعليمهم ومتابعتهم. وإذا تحدَّثت عن الأخلاق، كن أنت نموذجًا في احترامهم وحسن معاملتهم، واعلم بأنّ الله ذمَّ من يقولون وينصحون ويعظون ولا يعملون بما قالوا، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] فالقدوة هي تلك اللغة المؤثرة في الآخرين، أكثر من لغة الألفاظ والكلمات، وكما قالوا: حال رجل في ألف رجل خير من مقال ألف رجل في رجُل.

خامسًا: زرع القيم الإيمانية في قلوبهم

احرص على غرس القيم الإيمانية من خلال الآيات التي يحفظونها، مثل حب الله، الخوف من الله، الشكر، الصبر، التوبة، وغيرها، فعند تحفيظهم آية: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (البقرة: 152) ناقش معهم أهمية الذكر، واطلب منهم تجربة ورد يومي من الأذكار لمدة أسبوع، ثم اسألهم عن أثر ذلك على قلوبهم، ويمكنك عمل ورد محاسبة عملي لمن يحفظ معك، ويتابع مع نفسه، أو تتابع معه، وتكرم من يتميز في الالتزام بالأوراد اللازمة.

سادسًا: تشجيعهم على الدعوة بالقرآن

ازرع فيهم فكرة أن كل آية يحفظونها هي أمانة، وأنه يمكنهم أن يكونوا دعاة بين أهلهم وأصدقائهم، فاطلب منهم أن يشاركوا آية تعلموها مع أهلهم في البيت أو مع أصدقائهم في المدرسة، وشجعهم على نشر معاني الآيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتحقيق الإفادة من تلك الوسائل، وتوظيفهم فيما يحسنون.

سابعًا: الدعاء لهم بالهداية

اجعل الدعاء لهم بالهداية والصلاح جزءًا من عملك الدعوي، واطلب منهم أن يدعوا لأنفسهم كذلك، ففي نهاية كل جلسة تحفيظ: اجمعهم على دعاء قصير، مثل: "اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب همومنا." "اللهم اهدنا بهداك، واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك."

وإجمالاً، ومما سبق: عليك بالآتي:

  1. استشعر قيمة رسالتك الدعوية كمعلم للقرآن.
  2. اجعل التحفيظ أكثر من مجرد تكرار آيات، بل فرصة لتغيير القلوب.
  3. اربط الآيات بالواقع، وحاور الطلاب في معانيها، وكن لهم قدوة حسنة.
  4. شجعهم على نشر ما يتعلمونه ودعهم يشعرون بأثر القرآن في حياتهم.

أشكرك على تواصلك الكريم، وحرصك على إفادة طلابك والأخذ بأيديهم نحو الله تعالى، وأسأل الله تعالى لك دوام التوفيق والسداد، وأن يرزقك الإخلاص والقبول. اللهم آمين.