Consultation Image

الإستشارة 20/04/2025

أنا مغترب منذ مدة، وأجد نفسي مشتاقًا لوطني وأهلي بشكل كبير، لدرجة أن هذا الشوق يسيطر على تفكيري ويجعلني أحيانًا غير قادر على التركيز في عملي وحياتي اليومية.. كيف يمكنني التعامل مع هذا الحنين حتى لا يؤثر سلبًا على نفسيتي وأدائي؟

الإجابة 20/04/2025

أخي الكريم، إنّ اشتياقك لوطنك وأهلك أمر طبعيّ وفطريّ وهو دليل إيمان، كما أنه دليل على أصالتك ووفائك، فحب الوطن من الفطرة السوية.

 

وها هو النبي ﷺ نفسه حين أُخرج من مكة، قال بشوق وحزن: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت» (رواه الترمذي). ولكن المهم هو كيفية التعامل مع هذا الشوق حتى لا يتحول إلى معاناة تعطل حياتك.

 

ولذا اسمح لي أن أُقدّم لك ولكل مغترب تشتعل مشاعره وتتوق نفسه لوطنه، فأقدّم تلك الخطوات العملية للتعامل مع الشوق للوطن، والتي تتمثل في النقاط الآتية:

 

1. تقبل مشاعرك ولا تحاول إنكارها: فالشعور بالحنين طبيعي، فلا تقاومه بطريقة تزيد من حدته، ولكن تقبله بطريقة إيجابية، فكما أن الجسد يحتاج إلى الغذاء، فإن القلب يحتاج إلى العاطفة والذكريات الجميلة، لكن دون أن تعيقك عن أداء مهامك.

 

2. اجعل الشوق دافعًا للعمل وليس عائقًا له: فبدلًا من أن يكون الاشتياق للوطن سببًا للحزن، اجعله حافزًا لتطوير نفسك، فكر: كيف يمكنني أن أكون نموذجًا مشرفًا لوطني في بلاد الغربة؟ وكيف أتعلم وأتطور هنا لأعود يومًا ما بفائدة أكبر لأهلي ومجتمعي؟

 

3. تواصل بانتظام مع أهلك وأصدقائك: باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للاتصال بأهلك بانتظام، لكن باعتدال، ولا تجعل التواصل مصدرًا للحزن، بل اجعله وسيلة للفرح والتشجيع، وشارك أهلك تفاصيل حياتك، واطلب منهم أن يشاركوها معك، لتشعر بأنك ما زلت جزءًا منهم.

 

4. اصنع لنفسك وطنًا مصغرًا في غربتك، وتواصل مع أبناء جاليتك في المهجر، فهم أقرب الناس لفهم مشاعرك، ولا تنس أن تشارك في الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تعزز روح الانتماء لوطنك، واحتفظ ببعض العادات والتقاليد التي تربطك بوطنك، مثل الأطعمة أو العادات الاجتماعية.

 

5. اشغل وقتك بما ينفعك: يقولون "اذبح الفراغ بسكّين العمل"، فلا تدع الفراغ يزيد من مشاعر الحنين، بل اشغل نفسك بالدعوة، أو بالعلم، أو بالعمل الصالح، وتعلم مهارات جديدة، أو التحق بدورات تدريبية تفيدك في حياتك، مع ممارسة الرياضة أو أي نشاط يساعد على تصفية ذهنك وتقليل التوتر.

 

6. استشعر أنك في مهمة لا في منفى: فلا تنظر إلى الغربة كعقوبة، بل كمهمة أُرسلت فيها لأداء دور معين، واعتبر نفسك سفيرًا لوطنك ولدينك، وتمثل الأخلاق الإسلامية في تعاملك مع الآخرين، ثم اجعل نيتك في الغربة نية صالحة، سواء لكسب الرزق أو نشر الخير، فذلك يجعلها عبادة وليست مجرد تجربة قاسية.

 

7. قوِّ علاقتك بالله وتعامل مع الشوق بالروحانية: فكلما اشتد عليك الحنين لجأت إلى الله بالدعاء أن يربط على قلبك ويجعلك صابرًا محتسبًا، واستشعر أن الدنيا كلها دار غربة، وأن اللقاء الحقيقي بأحبائنا سيكون في الجنة إن شاء الله، وأكثر من قراءة القرآن، فهو شفاء للقلب من كل هم واشتياق، وتذكر قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.

 

ولتحفيز همتك نحو العمل بما قلنا: إليك بعض ثمرات التعامل الإيجابي مع الشوق للوطن، والتي منها ما يأتي:

 

- الاستقرار النفسي، مما يمكنك من الإنتاج والإنجاز في غربتك.

 

- بناء شخصية قوية قادرة على التكيف مع التحديات.

 

- تحويل الغربة إلى فرصة للنمو الروحي والعلمي.

 

- تحقيق التوازن بين الارتباط بالوطن والتأقلم مع الواقع الجديد.

 

- الاستمتاع بالحياة دون أن يكون الشوق للوطن عبئًا نفسيًّا.

 

وختامًا فإنّ الشوق للوطن شعور نبيل، لكنه يجب ألا يتحول إلى عائق يحرمك من الاستفادة من تجربتك في الغربة. اشغل نفسك بما ينفعك، وكن قريبًا من الله، واعتبر غربتك مدرسة تصقل شخصيتك وتزيد من خبرتك.

 

وأخيرًا، تذكر أن المؤمن في هذه الدنيا في غربة كبرى، وأن دارنا الحقيقية التي لا نشتاق بعدها لأحد هي الجنة، فاجعل همّك الأكبر هو الوصول إليها، وهناك ستجتمع بمن تحب دون فراق أبدًا.

 

حفظكم الله وآواكم الله وأيّدكم الله، وأراح قلبك وفؤادك حيث كنت، وكتب لك السلامة، وغنّمك ورزقك من حيث لا تحتسب.

الرابط المختصر :