الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
54 - رقم الاستشارة : 1463
29/03/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أبٌ، وأرغب في استثمار أيام عيد الفطر المبارك بأفضل طريقة لي ولأبنائي وبناتي، بحيث نغرس فيهم المعاني العظيمة للعيد، ونوظفه في تعزيز القيم الإسلامية لديهم، ليكون عيدًا مليئًا بالبهجة الحقيقية لا مجرد طقوس وعادات.
كما أود أن أستفيد منه في توظيفه توظيفًا دعويًا متميزًا، بحيث يكون فرصة لنشـر الخير والتواصل مع الآخرين، وإيصال رسالة الإسلام في محيطنا، خصوصًا في ظل الظروف المعاصرة التي تتطلب تقديم الدعوة بأساليب حكيمة ومؤثرة. فكيف يمكنني الجمع بين الفرح بالعيد واستثماره في تربية أبنائي والاستفادة منه في الدعوة إلى الله؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أخي الكريم، بارك الله فيك على حرصك على استثمار عيد الفطر بطريقة تحقق لك ولأبنائك الفائدة في الدنيا والآخرة. العيد في الإسلام ليس مجرد احتفال، بل هو مناسبة عظيمة تجمع بين الفرح والعبادة، بين البهجة والذكر، بين شكر النعمة واستدامتها. وقد قال النبي ﷺ: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ" (متفق عليه). وللإجابة على استشارتك، سأقسم الرد إلى محورين أساسيين كما طلبت:
المحور الأول: استثمار العيد في تربية الأبناء وترسيخ القيم الإسلامية
ويتحقق ذلك من خلال الآتي:
1) تعليم الأبناء المعنى الحقيقي للعيد: حيث يجب أن ندرك أن العيد في الإسلام ليس مجرد لباس جديد أو طعام لذيذ، بل هو شكر لله على نعمة الطاعة، والفرح بإتمام شهر الصيام، والتواصل مع الأهل والأحباب. قال تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ فحدِّث أبناءك عن هذا المعنى بأسلوب يناسب أعمارهم، وقرِّب إليهم فكرة أن العيد ليس فقط للمتعة بل للشكر والعبادة والفرح المباح.
2) إحياء سنة التكبير والتكافل الاجتماعي، ودرِّب أبناءك على سنة التكبير من ليلة العيد، وعلِّمهم صيغته: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"، واغرس فيهم حب الصدقة بإشراكهم في توزيع زكاة الفطر، وعلِّمهم أنها طهرة للصائم، وفرحة للمحتاج.
3) تعزيز صلة الرحم والبر بالوالدين: اجعل زيارات العيد فرصة لتعليم الأبناء قيمة صلة الرحم، ورتب معهم جدولًا لزيارة الأقارب الكبار، واجعلهم يشاركون في تقديم الهدايا أو العيديات لهم، وذكِّرهم أن البر لا يكون فقط في رمضان، بل هو سلوك مستمر، وأرشدهم إلى أن إدخال السرور على الوالدين والأجداد من أعظم القربات.
4) تنظيم فعاليات أسرية هادفة: بحيث تجعل العيد مناسبة لخلق ذكريات سعيدة مع العائلة، من خلال ألعاب جماعية مفيدة، ومسابقات دينية خفيفة، حتى يكون العيد مزيجًا بين الفرح والتعلم، واحرص على أن يكون يوم العيد يومًا مميزًا للأطفال، حتى يظل في ذاكرتهم مرتبطًا بالسعادة والإيمان.
المحور الثاني: توظيف العيد توظيفًا دعويًّا متميزًا
ويمكن تحقيق ذلك -أيضًا- من خلال ما يأتي:
1) استثمار اللقاءات العائلية والاجتماعية في الدعوة: فالعيد فرصة عظيمة لتوصيل رسائل دعوية بأسلوب غير مباشر، مثل الحديث عن فضل شكر النعمة، أو أهمية الاستمرار في الطاعات بعد رمضان، واستخدم أسلوب الحوار الهادئ لتشجيع الأقارب على المداومة على الصلاة، وذكر الله، وصيام الست من شوال.
2) الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي: حيث يمكن استثمار العيد في نشـر رسائل إيجابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل إرسال تهنئة مرفقة بحديث نبوي، أو مشاركة مقطع مؤثر عن فضل العيد وشكر الله، ومن الممكن -أيضًا- نشـر مقاطع قصيرة عن كيفية إحياء العيد وفق السنة، أو كتابة منشورات عن القيم التي يجب أن يرسخها العيد في نفوسنا.
3) زيارة المرضى والأيتام لإدخال السـرور عليهم: ففي الحديث: "أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم"، فرتِّب مع أبنائك زيارة إلى مستشفى أو دار أيتام، وقدموا لهم الهدايا، وأخبِر أبناءك أن هذا من أعظم صور الدعوة العملية.
4) الدعوة بالقدوة وحسن الخلق: حيث إنّ من أعظم وسائل الدعوة في العيد أن تكون أنت وأبناؤك نموذجًا للفرح المعتدل، والتواضع، والكرم، وحسن التعامل، واجعل تعاملك مع الآخرين يوم العيد يعكس روح الإسلام الحقيقية، فيكون العيد مناسبة عملية لتطبيق الدعوة بالأخلاق الحسنة.
5) تشجيع غير المسلمين على التعرف على العيد ما أمكن ذلك: وخاصة في البلاد غير الإسلامية، يمكن استغلال العيد لتعريف الزملاء والجيران غير المسلمين بهذه المناسبة، وذلك بدعوتهم لتذوق بعض الأطعمة الخاصة بالعيد، أو شرح معاني العيد بطريقة بسيطة، وهذه الطريقة تعد من أرقى وسائل الدعوة، حيث تعرّف غير المسلمين بجمال الإسلام من خلال الاحتفال المشترك والروح الطيبة.
واعلم ختامًا بأنّ عيد الفطر ليس مجرد مناسبة زمنية تمر كل عام، بل هو محطة تربوية ودعوية عظيمة، يمكن للأب الذكي أن يستغلها في غرس القيم في أبنائه، ونشـر الخير في مجتمعه. إذا جعلنا العيد فرصة لشكر الله، وتعليم الأبناء، ونشر الدعوة بأسلوب راقٍ، فسنحصل على عيد مليء بالبركة، يترك أثرًا في نفوسنا ونفوس من حولنا.
ونسأل الله -ختامًا- أن يجعل أعيادنا عامرة بالطاعة، مليئة بالخير والفرح المشروع، وأن يرزقنا حسن استثمارها فيما يرضيه. والله تعالى أعلم، وصلّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.