Consultation Image

الإستشارة 25/04/2025

أنا شاب جامعي، أجيد استخدام الإنترنت والتواصل عبره، ولدي معارف كثيرة في مختلف المجالات. بطبيعتي أحبّ التعرّف على الناس والتواصل معهم، سواء في محيطي الواقعي أو عبر الشبكة، وغالبًا ما تكون نواياي متعددة؛ منها التعارف البنّاء، أو تبادل المعرفة، أو أحيانًا الفضول والاهتمام الشخصي.

لكني بدأت أشعر أن هذه العلاقات قد تنفلت من الضبط، وقد تؤثر على قلبي أو ديني أو وقتي أو حتى صورتي الذاتية. فكيف أضبط هذه المعارف والعلاقات؟ وكيف أجعل تواصلي مع الآخرين عبادةً لا فتنة، ونقاءً لا انزلاقًا؟ أرشدوني بحكمة ودين.

الإجابة 25/04/2025

أيها الأخ الكريم، لقد طرقتَ بابًا مهمًّا في زمنٍ أصبحت فيه العلاقات كالمطر، كثيرةٌ وواسعة، لكنها إن لم تُحسن التعامل معها، غرقت الأرض بدل أن تُثمر.

 

أنت تملك نعمة القدرة على التواصل، وامتلاك شبكة علاقات، وروح اجتماعية منفتحة. وهذه النعمة، إن أُديرت بحكمة، كانت سببًا في بناء تأثير إيجابي، وفتح أبواب خيرٍ كثيرة، لكنّها في الوقت نفسه، قد تنقلب إلى نقمة إن لم تُضبط بالبصيرة والإيمان والنية الصالحة. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ﴾ أي: اجعلوا كلَّ نهوضكم في الحياة لله، بما في ذلك تعارفكم، واتصالاتكم، وعلاقاتكم.

 

النبي ﷺ لم يكن منغلقًا على نفسه، بل كان يتواصل مع الناس، ويستضيف الوفود، ويُخاطب الجاهلي، واليهودي، والمنافق، والمؤمن.. لكنّه كان يضع حدودًا، ويعرف نيّته في كل علاقة، وكان واضحًا.

 

ما الذي نحتاجه إذًا؟

 

أن نُعيد توجيه كل علاقة في حياتنا لتكون في ميزان الطاعة، لا في خانة العبث.

 

أحبّ الصالحين ولستُ منهم *** وأرجو أن أنال بهم شفاعة

 

وأكره من تجارته المعاصي *** ولو كنا سواءً في البضاعة

 

فأنتَ مسؤول عن نوع المعارف، وكيفية الحديث، ومدى الخصوصية، وزمن التواصل، وأثره عليك، والنبي ﷺ قال: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ، تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"، فلا تكن في كل علاقة "حاضر القلب والنيّة" بلا هدف، بل اسأل نفسك:

 

* ما هدفي من هذه العلاقة؟

 

* هل تغيّر شيء في ديني بسببها؟

 

* هل أقف عند حدود الأدب والشرع؟

 

* هل لو وقف ملك الموت الآن، أرضى أن أكون في هذا الحديث، أو هذه المحادثة، أو هذا النوع من المزاح، وإذا أحببت رجلًا، فانظر في حاله مع الله، فإن رأيته مقيمًا على طاعة، فثبّت مودّتك، وإلا فافسخ العقد من البداية.

 

وإليك بعض الوصايا العملية لضبط العلاقات والمعارف، تتمثل في الآتي:

 

1) اضبط نيتك في كل تواصل: هل هو لله؟ للعلم؟ للصداقة النقيّة؟ ثم راجع النية دومًا، فقد تُسرق دون أن تشعر.

 

2) كن شفافًا وواضحًا في التعامل: لا تترك للمخيلة مجالًا للظن، ولا تتجاوز حدود الأدب لا في مزاح، ولا كلام، ولا رسائل.

 

3) اجعل لكل علاقة سقفًا زمنيًّا ومعنويًّا؛ فالعلاقات غير المؤطرة تتجاوز حدود القلب.

 

4) احذف من حياتك كل علاقةٍ تُضعف إيمانك أو تُرهق قلبك، وقل كما كان السلف يقولون: "ابعد عن الشر وغنِّي له".

 

5) اجعل لنفسك وردًا من ذكر الله قبل تصفحك للإنترنت؛ فالقلب المحصّن لا يدخل من نوافذه العبث.

 

6) واحرص على أن تكون علاقتك بأهل الفضل والعلم، لا فقط بأهل التسلية والمعارف العامة.

 

وختامًا، فإن العلاقات ليست محرّمة، ولا المعارف مذمومة، لكنّها تُوزَن بالنية، وتُضبط بالبصيرة، وتُراقب بالتقوى، ولعلّك إن نويتَ الأمر لله، وطلبتَ مرضاته، كان في كل علاقةٍ لك بابُ أجرٍ جديد، وما أجمل أن تكون علاقاتك كلّها نصيحةً متبادلة، ورحمةً متجددة.

الرابط المختصر :