Consultation Image

الإستشارة 02/03/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، معكم أخوكم خليفة من الدوحة، وأحمد الله أن بلغني وأولادي شهر رمضان هذا العام، وأشعر أنه نعمة عظيمة تستوجب الشكر، لكنني في كل عام أجد نفسي أضيع كثيرًا من أوقاته دون استثمار حقيقي. فكيف أتعامل مع رمضان على أنه نعمة، وأشكر الله على منِّه به، وأحسن استغلاله في الطاعات والقربات، حتى أحقق مراد الله تعالى في قوله: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾؟

الإجابة 02/03/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخي خليفة، شكر الله تواصلكم الكريم، وأحسنت في إدراكك أن رمضان نعمة عظيمة -وقليل من الناس اليوم مَن يُدرك ذلك- فهو شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، وهو موسم البركات ورفع الدرجات، ولا يدرك هذه النعمة حق الإدراك إلا من فاته رمضان ولم يدركه، أو من حضره لكنه خرج منه خالي الوفاض، فلم يستثمره كما ينبغي.

 

واسمح أن أتوجّه لك ولعموم المسلمين بخالص التهاني وأرقى التبريكات ببلوغ رمضان واستقبال أيامه ولياليه، وأسأل الله القبول، ولذا سأتوجَّه بجوابي إليك وإلى كل مسلم ومسلمة، حول استثمار تلك النعمة وثمرات ذلك عليك كفرد وعلى الأُمّة والمجتمع، وذلك على النحو التالي:

 

أولًا: إدراك رمضان كنعمة من نعم الله

 

إنّ كل نعمة تستوجب الشكر، وشهر رمضان من أعظم النعم لأنه: فرصة لمغفرة الذنوب، وقد قال النبي ﷺ: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه)، كما أنه شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، كما جاء في الحديث الصحيح، فضلاً عن كونه هو موسم مضاعفة الحسنات، فالأعمال فيه أعظم أجرًا، والفرصة سانحة للارتقاء في مراتب العبودية، ومظنّة إجابة الدعوات، حيث جعل الله للصائم دعوة لا ترد.

 

ثانيًا: شكر نعمة رمضان

 

الشكر الحقيقي لا يكون باللسان فقط، بل يشمل القلب واللسان والجوارح، كما قال العلماء، وإليك التفاصيل والكيفية:

 

1- شكر القلب: استشعار عظمة النعمة والفرح بها، وأن يدرك الإنسان أنه في ضيافة الرحمن، وأن الله أكرمه ببلوغ رمضان ليكون من أهل الطاعة، واستحضار نية التقرب إلى الله بجميع الأعمال، وصدق الرغبة في الإصلاح والتغيير، ولا تنس التفكر في حال من لم يبلغ رمضان، أو من حُرم من صيامه لعذر، مما يزيد العبد تقديرًا لهذه النعمة.

 

2- شكر اللسان: ذكر الله وحمده وحسن القول، كالإكثار من الحمد والشكر لله على نعمة رمضان: "الحمد لله الذي بلغنا رمضان"، أو "يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك"، والدعاء بأن يعينك الله على صيامه وقيامه، كما كان النبي ﷺ يقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، ولا تنس استثمار اللسان في الذكر والاستغفار، وقراءة القرآن، والامتناع عن اللغو والكلام البذيء.

 

3- شكر الجوارح: واستثمار رمضان بالطاعة والعمل الصالح، ومثال ذلك:

 

* استغلال الوقت في الطاعات، كالقيام بالصلاة على وقتها والحرص على السنن والتراويح والقيام، والاجتهاد في قراءة القرآن بتدبر، فقد كان السلف يختمون القرآن مرات عديدة في رمضان، والصدقة والإحسان، حيث كان النبي ﷺ أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، وإفطار الصائمين، وقيام الليل والدعاء والاستغفار، خاصة في العشر الأواخر طلبًا لليلة القدر.

 

* الامتناع عن المعاصي ومجاهدة النفس: مثل حفظ البصر عن الحرام، وحفظ السمع واللسان عن الغيبة والنميمة واللهو المحرم، والبعد عن إضاعة الوقت في المسلسلات والملهيات التي تفسد الصيام ولا تحقق الغاية منه.

 

ثالثًا: خطة عملية لشكر نعمة رمضان واستثماره

 

حتى تكون من الشاكرين عمليًّا، إليك خطة مقترحة:

 

1- وضع جدول يومي يتضمن: (قراءة جزء من القرآن على الأقل، أداء الصلوات جماعة في المسجد، تخصيص وقت للذكر والدعاء والاستغفار، الصدقة اليومية ولو بالقليل، صلة الرحم ولو برسالة أو اتصال).

 

2- استغلال أوقات الإجابة، مثل: عند الإفطار، فدعوة الصائم لا ترد، وفي الثلث الأخير من الليل، حيث ينزل الله إلى السماء الدنيا.

 

3- الاجتهاد في العشر الأواخر، مثل: إحياء الليالي بالصلاة والدعاء، الاعتكاف إن أمكن، الاجتهاد في طلب ليلة القدر.

 

رابعًا: ثمرة الشكر لرمضان

 

إذا شكر العبد ربه على نعمة رمضان بشكر القلب واللسان والجوارح، فإن الله تعالى وعد بالمزيد، فقال: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، فماذا ستكون الزيادة؟ تكون: زيادة في التوفيق للطاعات، زيادة في الأجر والمغفرة والقبول، زيادة في التلذذ بالعبادة، حتى يكون رمضان بوابة للتغيير المستمر طوال العام.

 

وأخيرًا: اجعل رمضان بداية لا نهاية

 

فرمضان ليس موسمًا عابرًا، بل هو محطة تزود إيماني ينبغي أن يمتد أثرها بعد رمضان، فتجعل منه انطلاقة لحياة مليئة بالطاعات والقربات؛ لأن العبد إن اعتاد الخير في رمضان سهل عليه الاستمرار فيه بعده.

 

اللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمك، وأعنا على حسن صيام رمضان وقيامه، وتقبله منا بقبول حسن، وبلغنا ليلة القدر، وأكرمنا بالمغفرة والعتق من النار، واجعلنا بعد رمضان خيرًا مما كنا قبله، آمين.