23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 09/01/2025

لي زميل بالعمل علاقتي به طيبة جدا، ولكن يسوؤني أنه كثير المشاكل مع الزملاء. يعتقد أنهم يتآمرون عليه، فيسبق بعمل شكوى فيهم، وهذا أصبح طبعا فيه، حتى أني حضرت مشكلة له خارج العمل، فقال لي مدير الجهة التي يشكو إليها إنه مريض نفسيًّا وإنه يشكو كثيرا ممن تعامل معهم داخل العمل، وقال لي أحدهم: انصحه، فقلت له: إنى نصحت له كثيرًا ولم يسمع لي. والسؤال هو: كيف أنصحه أن يتعامل مع الزملاء دون أن يظن بهم ظنًّا سيئا، ولكم جزيل الشكر.

الإجابة 09/01/2025

أخي الكريم، مرحبًا بك، ونشكرك على ثقتك بنا، وبعد... 

فأولًأ، شكر الله لك حرصك على إصلاح زميلك، وإنَّ ما ذكرت من أفعال زميلك إنما هي مجرد مظاهر وأعراض لمرض يتملك هذا الزميل، والمرض هو ما يجب أن يعالج من جذوره، لا العَرَض.

وهو كأي مريض تجب الشفقة عليه وتحمله وعدم مؤاخذته، حتى يتم شفاؤه إن أراد الله عز وجل له الشفاء.

وغالب الأمر أن هذا المرض ناتج عن أحداث معينة تعرض لها هذا الشخص في حياته، أو طريقة معينة في التربية والتنشئة، تركت آثارًا نفسية جعلته يتعامل بهذا الشكل مع المجتمع من حوله.

مثل هذا الزميل غالبًا ما يشعر بعدم التقدير وعدم الإنصاف والمظلومية، وتآمر الناس عليه، وهذا ما يجعله يتخذ موقفا عدائيًّا مع من يتعامل معه، في محاولة للدفاع عن ذاته.

وعلاج هذا الزميل لا يأتي إلا على يد إنسان يحبه ويحتويه وينال ثقته، وعنده القدرة على تحمل تصرفاته وردود أفعاله والصبر عليها، حتى يحظى بنتيجة إيجابية.

وقد قلتَ إن علاقتك به طيبة، وقد لمستُ منك حرصًا عليه، فلتستثمر هذه العلاقة الطيبة وترسخها وتزيدها قربًا وحميمية حتى تتأصل ثقته فيك وحبه لك.

وأول ما يجب أن تبدأ به مع زميلك بعد توطيد أواصر الحب والثقة بينكما، هو العلاج المعرفي، وأعني به تصحيح المفاهيم السلبية المستقرة لديه، على ألا يكون هذا بالشكل الوعظي المباشر، وإنما بإشارات لطيفة وبشكل غير مباشر، عبر نقاشات أو قراءات أو تعليقات، يكون منطلقك فيها ليس التعاملات البشرية، والانطباعات الشخصية، ولكن التوجيهات الربانية، التي تحث على قيم طيبة، مثل حسن الظن، والتماس الأعذار، والعفو، والتسامح، والإيثار، وكظم الغيظ.

ثم يأتي بعد ذلك العلاج السلوكي، بتوجيه سلوكه ناحية الأفضل عندما يصدر منه سلوك سلبي، على أن يكون أيضا بأسلوب غير مباشر ولطيف، دون تعنيف أو تسفيه لفعله أو انتقاد مباشر، كأن تقول له مثلاً: «لو أنك فعلت كذا أو قلت كذا لكان أفضل»، مع ابتسامة رقيقة وإظهار الحرص عليه، ورغبتك في ألا يكرهه أحد أو يحمل عليه، مع الصبر وعدم توقع التغير السريع.

ويفضل لو حاولت إشراك زملائك معك في هذا الأمر، وإشعارهم بمسئوليتهم تجاهه وواجب النصح له، على أن تكون النصيحة بآدابها الشرعية، والتي منها:

1- أن يكون الناصح نفسه يطبق ما يقول وقدوة حسنة فيما ينصح به من فضائل أو ينهى عنه من رذائل.

2- تخير الوقت المناسب.

3- تحسس الجو النفسي المهيِّئ لسماع النصيحة.

4- انتقاء واستخدام الكلمات المناسبة.

5- إظهار الحب وإبداء الود بإخلاص قبل الشروع في توجيه النصيحة.

6- يجب أن تكون النصيحة سرًّا بينك وبين المنصوح، وليست علانية؛ وتأكد أن النصيحة العلنية لا تؤتي ثمارها الطيبة، وإنما تخرج عن كونها نصيحة إلى كونها استفزازًا للمنصوح وإشعاره برغبتك في فضحه أمام الآخرين، وتسيطر عليه هذه المشاعر؛ مما يجعل أذنيه وقلبه لا تلتفت للمعنى الطيب الذي تشتمل عليه النصيحة؛ مما يجعله يأخذ موقفًا مضادًّا.

وتذكر أن الهدف من النصيحة هو تصحيح العيوب والأخطاء لدى الأفراد، وليس إشاعة أفعالهم السيئة أو فضحهم.

7- عدم إشعار المنصوح بالتكبر والتعالي عليه، ولا تجعله يشعر في كلامك بنغمة التفوق والاستعلاء، أو اللوم أو السخرية، أو الاتهام.

8- أشعر المنصوح بتقبلك شخصيًّا للنصح إن هو أو غيره نصحك، وأنك غير منـزه عن الخطأ.

9- أشعر المنصوح بتقديرك لظروفه وأنك تلتمس له الأعذار.

10- احذر أن يتحول موقف النصيحة إلى ساحة جدال عقيم ومناقشة عدائية.

وأوصيك أن تصبر وتصبِّر زملاءك على إصلاح هذا الزميل وسلوكه، فلا تتقاعس ولا يثبط عزمك إذا لم تجد تغييرًا فوريًّا في سلوكه؛ فمثل هذه التغييرات عادة ما تحتاج إلى فترة زمنية تنقضي بين الاقتناع، ثم العزم، ثم التنفيذ.

أسأل الله لك العون والتوفيق والقبول، وتابعنا بأخبارك.