الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
58 - رقم الاستشارة : 1484
31/03/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فلقد اقترب عيد الفطر المبارك، وفي قلبي مشاعر متناقضة يصعب وصفها، كيف أفرح بالعيد بينما إخواني في أرض العِزّة يعيشون تحت القصف، وبيوتهم تهدم، وأطفالهم يُيَتَّمُون، ودماؤهم تراق في كل زاوية؟
أشعر أن الفرح جريمة أمام هذه المآسي، فهل يليق بي أن أبتسم، بينما غيري يبكي من فقد الأحبة والجراح المفتوحة؟ كيف أحقق التوازن بين الفرح المشروع والحزن النابع من قلبٍ يشعر بجراح الأمة؟ أرجوكم أرشدوني إلى ما يرضي الله في هذا الموقف المؤلم.
الحمد لله الملك، الذي بيده كل شيء، ولا يغيب عنه شيء، والصلاة والسلام على نبينا المجاهد الصائم القائم، صلى الله عليه وسلّم، وبعد:
فمرحبا بقلبك أيها السائل الكريم على صفحات هذه المجلة المباركة، واعلم أخي الكريم أنك طرحتَ سؤالًا ينمّ عن قلبٍ نابضٍ بحب الله، ممتلئٍ بالرحمة لإخوانه المسلمين. وهذا الشعور النبيل ليس غريبًا على المؤمن؛ فهو امتدادٌ للفطرة السليمة التي ربطت بين قلوب المؤمنين وجعلتهم كالجسد الواحد، يتألمون لبعضهم بعضًا..
ولكن اسمح لي أن أوضّح لك أمرًا عظيمًا:
ديننا الإسلامي هو دين التوازن، لا يغرقنا في الحزن حتى نضعف، ولا يطلقنا في الفرح حتى ننسى آلام أمتنا، ولذا دعني أرشدك إلى الطريق الذي يجمع بين القلب الحي والروح الثابتة، بين فرحة العيد والحزن على أحوال الأمة، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولًا: العيد فرحةٌ شرعها الله لنا
الله عز وجل لم يجعل العيد مجرد عادةٍ اجتماعية؛ بل هو شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام. إن الله يحب أن يرى أثر عبادته علينا؛ نفرح بتمام الصيام، ونبتهج بإكمال الطاعة، يقول الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]، وهذه أعيادنا علّمنا الرسول أن نفرح بها، وفرحة العيد ليست ترفًا أو خيارًا نملكه، بل هي عبادةٌ يتقرَّب بها العبد إلى الله، شكرًا له على ما أنعم به من الصيام والقيام. فكما أننا نحزن لألم إخواننا، علينا أن نفرح بطاعة الله، لنثبت أننا نؤدي واجبنا الديني متكاملًا: نعبد الله ونحمل همّ الأمة.
ثانيًا: الحزن على الأمة جزءٌ من إيماننا
نعم -أخي الكريم- من حقك أن تحزن، بل يجب أن تحزن على ما يصيب إخوانك، وقد علّمنا النبي ﷺ بنفسه ذلك؛ حيث بكى على شهداء أحد، وبكى عندما مات ابنه إبراهيم وقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، فضلاً عن كون ذلك هو أمر من الأمور القدريّة، فكيف باعتداءات المجرمين على المظلومين، وانتهاك حقوقهم.
لكن -في ذات الوقت- كان حزنه -صلى الله عليه وسلّم- لم يمنعه من مواصلة الدعوة، والجهاد، وبناء الأمة. هكذا يكون حزن المؤمن: دمعةٌ في القلب، وعملٌ في الميدان.
ثالثًا: التوازن بين الفرح والحزن
التوازن ليس أن نطفئ الفرح تمامًا، ولا أن نُغرق أنفسنا في الحزن المُميت؛ بل أن نعيش الفرح كما أمرنا الله، ونحمل الحزن بطريقةٍ تدفعنا للعمل.. كيف؟ إليك الخطوات التالية:
1) فرحةٌ مرتبطةٌ بنية النصر: افرح بعبادة الله، وليكن فرحك رسالةً للعالم بأن الأمة ما زالت حيةً رغم الجراح، قويةً رغم الألم. أظهر القوة، فالله يحب أن يرى المسلمين أعزة، قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
2) فرحةٌ مصحوبةٌ بالدعاء والعمل: فاجعل فرحتك ممزوجةً بالدعاء. لا تجعل العيد يمر دون أن ترفع يديك في السَّحَر وتدعو لإخوانك. أخرج صدقة العيد بنيّة رفع البلاء عنهم، وأشركهم في طعامك ودعائك ونيتك.
3) أنسٌ بأهلك وأملٌ في قلوب أطفالك: فأطفالك بحاجةٍ لفرحة العيد. لا تحرمهم منها بحجة الحزن، بل اجعلهم يفرحون وهم يدركون أن الفرح ليس نسيانًا لأهل غزة، بل هو رسالة صمود: "نفرح لأن الله أمرنا، ونبكي لأننا لم ننسَ إخواننا".
4) تربية الجيل على الوعي: فاحكِ لأولادك وأهلك عن قصة فلسطين، عن بيت المقدس، وعن أبطال الأمة. ازرع في قلوبهم الأمل بأن النصر قادم.
رابعًا: لمحةٌ من التاريخ تُوقِد الأمل
أتعلم أن هذا الألم ليس جديدًا على الأمة؟
فعام الحزن، فقد النبي ﷺ زوجته خديجة وعمه أبا طالب، وأوذي في الطائف حتى سال دمه الشريف. ومع ذلك، لم يستسلم، بل قال: "اللهم إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي"، وفي غزوة الأحزاب، اجتمع العرب كلهم ليبيدوا المسلمين، فقالوا: ما هذا إلا وعدٌ بالهلاك.. فقال النبي ﷺ وهو يحفر الخندق: الله أكبر! أُعْطِيتُ مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصور الحيرة". فأبشر... فالنصر يولد من رحم المعاناة.
وختامًا:
أيها الحبيب.. اجعل عيدك هذا مختلفًا: افرح بقلبٍ ممتلئٍ بالرضا عن الله، احزن بحزنٍ يوقظ همتك للعمل لنصرة إخوانك، وادع بإلحاحٍ، وتيقن أن الدعاء سلاح لا يخيب، علِّم أولادك أن العيد فرحةٌ بطاعة الله، وأن نصر الله قادمٌ لا محالة، وكل عامٍ وأنتم ثابتون... مبتهجون بالطاعة... مؤمنون بالنصر... وموقنون بوعد الله.
ولا تنسَ قوله تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. عيدك مبارك... ونصرك قريب بإذن الله.