الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
42 - رقم الاستشارة : 1160
28/02/2025
أنا أب لعدة أبناء، وأريد أن أجعل شهر رمضان فرصة لترقيتهم إيمانيًا وسلوكيًا، خاصة في ظل المؤثرات الكثيرة من التكنولوجيا والفضائيات التي قد تصرفهم عن روحانية الشهر. كيف أستثمر هذا الشهر المبارك معهم في البيت بطريقة تجمع بين المتعة والفائدة، وتغرس فيهم حب العبادة والقيم الإسلامية؟
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبينا الهادي المصطفى، وبعد:
فيقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، ومن هذا المنطلق القرآني الفريد أتوجه إليك أخي الكريم بخالص التهاني العاطرة، ولأسرتك الكريمة، وكل عام أنتم بخير وصحة وعافية وستر أخي السائل الكريم، وأسأل الله تعالى أن يعيد أيام رمضان ولياليه عليك وعلى أوطاننا وأمتنا بالخير واليُمن والبركات والعزّة، وبارك الله لك في أبنائك ووفقك لحسن تربيتهم؛ فحسن التربية أعظم استثمار، ورمضان مدرسة تربوية فريدة، إذا أحسنّا استغلالها أورثتنا وأبناءنا ترقية إيمانية وسلوكية تدوم بإذن الله.
ولذا أنصحك كما أتوجّه لكل روّاد هذه البوابة المباركة بالآتي:
أولا: اجعل رمضان تجربة روحية لا مجرد طقوس
فرمضان ليس مجرد صيامٍ عن الطعام والشـراب؛ بل هو صيام القلوب عن الغفلة، والعقول عن اللهو، والألسنة عن اللغو. لذلـك: احرص على أن تعيش مع أبنائك جوًّا إيمانيًّا مميزًا، يكون فيه القرآن رفيقًا، والدعاء لغة البيت، والصلاة في الجماعة عادة لا تُترك.
ثانيًا: العبادات بروح القرب لا بروح الفرض
اجعل أبناءك يشعرون بحلاوة العبادة، لا بأنّها مجرد واجب ثقيل، وذلك من خلال:
• التنافس في الخير: تحدَّ أبناءك في ختم القرآن أو صلاة التراويح، واجعل هناك مكافآت معنوية كإشادتك بهم أمام الأسرة.
• القدوة العملية: دعهم يرونك تدمع في الدعاء، وتخشع في الصلاة، وتفرح بالذكر، فهذا أبلغ من ألف نصيحة.
• التفسير الميسّـر المبسط: اجلس معهم بعد الفطور وتحدث عن معاني آيات مختارة من جزء اليوم، بأسلوب يناسب أعمارهم
ثالثًا: التكنولوجيا.. باب إلى الخير لا إلى الغفلة
فبدلًا من محاربة استخدام التكنولوجيا، وجِّهها لصناعة جوٍّ إيماني ممتع، مثال ذلك:
• مشاهدة برامج وثائقية عن السيرة النبوية أو معجزات القرآن الكريم، وهناك دراما للصغار رائعة تم إنتاجها بمراجعة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وموجودة على الإنترنت (حبيب الله، كليم الله، يوسف الصديق، يونس، آدم، سليمان الحكيم،...) وهكذا.
• استخدام التطبيقات الإسلامية لتذكيرهم بالأذكار أو تعليمهم قصص الصحابة.
• إنشاء تحديات عائلية مثل: "أفضل تدوينة يومية عن رمضان" أو "تصوير أجمل لحظة روحانية".
رابعًا: رمضان للتزكية السلوكية لا للعادات السلبية
من أهم دروس رمضان ترويض النفس على الأخلاق الحسنة، فيمكنك:
• غرس قيمة العطاء بإشراكهم في تحضير إفطار للمحتاجين أو التبرع لمبادرات خيرية.
• تعويـدهم على ضبط النفس من خلال تحدي "يوم بلا غضب" أو "سباق الكلمة الطيبة".
• ترسيخ روح المسؤولية: بإسناد مهام لهم، مثل تجهيز مائدة الإفطار أو إلقاء خاطرة قصيرة للأسرة.
خامسًا: اجعل الذكريات الرمضانية دافئة ومؤثرة
ما يظل في القلب بعد رمضان هو الذكريات الجميلة التي زرعتَها في وجدانهم، فاجعلها لحظات استثنائية عبر:
• اجتماع عائلي يومي للسحور والفطور بروح المحبة.
• إعداد أكلات رمضانية مع الأبناء لمشاركتهم فرحة التحضير.
• تخصيص "دفتر الإنجازات الرمضانية" لكل ابن، يدون فيه عباداته وأعماله الصالحة.
وتلك بعض الأفكار التي أقترحها على الأسرة المسلمة في رمضان:
• استخدام "بطاقات الإنجاز الرمضاني": يمكن تصميم بطاقة خاصة لكل طفل فيها قائمة بالعبادات والسلوكيات الحسنة، ويُمنح نجومًا أو أوسمة عند كل إنجاز.
• تنظيم جلسة "تأمل وتدبر": بعد صلاة التراويح، يُطلب من كل ابن مشاركة آية أعجبته، مع تفسير مبسط لها.
• إطلاق "يوم الصحابي": يُطلب من الأبناء اختيار صحابي والتعرف على سيرته، ثم تقديم عرض بسيط عن حياته ومواقفه.
وختامًا، رمضان فرصة ذهبية لصناعة جيلٍ يحمل نور الإيمان في قلبه، وروح الأخلاق في سلوكه. فكن أنت قائد السفينة، وارسم لأولادك طريقًا يجعلهم يشتاقون إلى رمضان عامًا بعد عام، لا لأنه شهر الطعام، بل لأنه شهر النور والطاعة والارتقاء، وحببهم في العبادات وشاركهم في أعمال الخير والإسعاد؛ ليرتبط رمضان في أذهانهم بفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وليكون دأبهم طوال حياتهم.
اللهم اجعل رمضاننا هذا العام موسم هداية لأبنائنا، واغرس في قلوبهم محبة طاعتك، واحفظهم من كل فتنة، وبارك لهم في أيامهم ولياليهم.