ابني مُقبل على الخطبة ويرفض توجيهاتي.. ماذا أفعل؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الشباب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 170
  • رقم الاستشارة : 2315
08/08/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا أب لثلاثة أولاد، أكبرهم تخرج هذا العام من كلية التجارة، عمره 23 سنة، وهو شاب محترم وخلوق، وقد بدأ مؤخرًا الترتيب لخطبة فتاة اختارها بنفسه، ويبدو عليه الحماس الشديد للارتباط بها، ورغم أنني لم أُبدِ رفضًا صريحًا لهذا الاختيار، إلا أن لديّ بعض التحفظات على شخصيتها وطبيعة أسرتها، ولكنني تركت له حرية القرار في البداية.

مشكلتي الآن أن ابني لا يسمع توجيهاتي ولا يأخذ رأيي في أمور كثيرة تخص حياته، خاصةً فيما يتعلق بالخطبة والزواج.

حين أُعطيه نصيحة أو أطلب منه التريث في بعض الخطوات، يعتبر أنني أتدخل في شؤونه أو أنني "قديم التفكير".

أحيانًا يقول لي: "أنا كبرت يا بابا، اعرف مصلحتي كويس، وكل واحد له حياته".

منذ أيام طلبت منه أن يؤجل الخطبة لحين استقرار وضعه الوظيفي، لكنه انفعل وقال: "طول عمركم بتحبطوني، أنا عاوز أعيش حياتي بطريقتي".

كما لاحظت أنه يستشير أصدقاءه أكثر مني، ولا يُطلعني على التفاصيل إلا إذا سألته بإصرار، وأحيانًا أسمع أخبارًا عنه من والدته أو من أخيه الأصغر.

أنا لم أكن يومًا قاسيًا عليه، بل كنت أحرص على مصاحبته ومساعدته في قراراته، لكنه الآن يبدو وكأنه يغلق الباب في وجهي، وهذا يُشعرني بالألم والخذلان، خاصة أنني كنت أُعلّق آمالًا كبيرة عليه.

فما الطريقة المثلى للتعامل معه في هذه المرحلة؟ هل أتركه وشأنه تمامًا حتى لو أخطأ؟ أم أصرّ على أن يسمع كلمتي كأب له خبرة وتجربة؟

أرجو توجيهكم ونصحكم.

الإجابة 08/08/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

 

مرحبًا بك أيها الأب الفاضل، وبارك الله فيك على حرصك النبيل، وسعيك المستمر في أداء رسالتك الأبوية برقي، لا سيما وأنت تُدرك أن التربية لا تنتهي عند سن البلوغ أو التخرج، بل تستمر ما دام في القلب ودّ، وفي النفس أمل.

 

اسمح لي أن أُخاطبك أولًا كأب حنون يشعر بأن ابنه قد بدأ يبتعد عنه دون أن يفهم السبب، ثم ننتقل إلى تحليل الموقف نفسيًّا وتربويًّا.

 

أولًا: أتمنى أن تثق بأن مشاعر الأب مسموعة ومقدّرة

 

من الطبيعي أن تشعر بالحزن حين لا يُصغي الابن إلى نصائحك بعد كل ما بذلتَ من جهد في تربيته، ومن الطبيعي كذلك أن تتألم حين يُفضِّل استشارة أصدقائه على الرجوع إليك، ولكن –صدقني– ما يحدث الآن ليس رفضًا لك، بل هو جزء من "عملية الانفصال النفسي الإيجابي" (Positive Psychological Separation) التي يمر بها الشاب في هذه المرحلة العمرية الحساسة.

 

هو لا يرفضك كشخص، بل يبحث عن هُويته، ويحاول أن يُثبت ذاته بطريقة قد تكون مرتبكة أحيانًا، لكنها ضرورية في تشكيل رجولته المستقلة.

 

ثانيًا: نأتي إلى تحليل الحالة نفسيًّا وتربويًّا

 

- لا بد أن تعي بأنها طبيعة مرحلة ما بعد التخرج وبداية الاستقلال؛ فالابن الآن في طور "النمو النفسي الاجتماعي" (Psychosocial Development)، تحديدًا في مرحلة الصراع بين الاستقلال والانتماء.

 

يريد أن يثبت أنه قادر على اتخاذ القرار، حتى وإن لم يكن جاهزًا بعد، وهذه الحاجة تُسمى في علم النفس التربوي بـ Need for Self-Determination، أو الحاجة إلى تقرير المصير.

 

وكلما شعر الشاب أن والده يُشكك في قدراته أو يُعلق كثيرًا على اختياراته، زاد تمسكه برأيه، ولو عنادًا. فما يبدو لك عنادًا، هو في الحقيقة "صرخة إثبات الذات".

 

- أيضًا من الطبيعي أن يتحول تأثير الأصدقاء في هذه المرحلة إلى ما يُعرف بـ Peer Influence تأثير الأقران حيث يصبح الأقران المصدر الأساسي للمقارنة والاقتداء، لا الوالدان. لكن هذا لا يعني أن دورك قد انتهى، بل تغيرت طبيعته من "موجّه مباشر" إلى "داعِم غير مباشر".

 

ثالثًا: والذي يمكنك فعله الآن كالآتي:

 

1- تقبّل استقلاله دون أن تتخلّى عنه

 

قل له بصدق: "أثق فيك، وأعلم أنك تسعى لبناء حياتك بطريقتك، وأنا هنا دائمًا إن احتجت رأيي أو دعمي"، فهذا يعزز ما يُعرف بـالتوافر العاطفي للأب، وهو عنصر أساسي في بقاء العلاقة قوية رغم المسافة.

 

2- حوّل حوارك معه من "نصح مباشر" إلى "طرح أسئلة ذكية"

 

فبدلًا من أن تقول: "لا تُقدم على الخطبة الآن" قل له: "ما الخطة التي وضعتها لتوازن بين مسؤوليات الزواج والعمل؟ وهل توقعت ما قد يطرأ من ضغوط مالية أو نفسية؟".

 

الأسئلة تفتح له باب التفكير دون شعور بالإجبار، وتُفعل ما يُعرف بـالتفكير التأملي الذاتي.

 

3- وانتبه جيدًا.. لا تدخل مع ابنك في صراع

 

تذكر أن العلاقة الأبوية ليست حلبة لإثبات من هو الأحق بالقرار، بل ساحة دعم فيها الخبرة تُعانق الحلم. وحين يتأكد الابن أنك لا تنازعه القيادة، بل تحرسه من بعيد، سيعود إليك طواعية لا قسرًا.

 

4- كما يجب أن تفصل بين رأيك في "الفتاة" ورأيك في "قراره"

 

لأن انتقاد اختياره الآن قد يفسره على أنك لا تحترم حريته. فلتكن رسالتك: "أنا أثق في قدرتك على التقييم، فقط أطلب منك أن تُعيد النظر من زوايا أوسع، لا أكثر".

 

* وأخيرًا: تذكر يا عزيزي الأب:

 

أن كل مهمتنا مع شبابنا منذ الصغر النصح والإرشاد، ولكننا لم نمتلكهم، قال تعالى: ﴿ووصّينا الإنسان بوالديه إحسانًا﴾، وهذه الوصية الربانية تؤكد أن بر الوالدين لا يعني بالضرورة خضوعًا مطلقًا، بل احترامًا دائمًا.

 

ثم تأمل كيف تعامل النبي ﷺ مع الشباب، فحين جاءه شاب يستأذنه في الزنا، لم يوبخه أو يُعنفه، بل حاوره بلغة العقل والقلب. هذا هو النهج التربوي النبوي القائم على ما نُسميه اليوم بـ Empathic Listening، أي "الإنصات التعاطفي"، الذي يسبق الإقناع.

 

وكما قال أحد الحكماء: "العلاقة بين الأب وابنه لا تُقاس بالقرب الجسدي، بل بالقرب العقلي والعاطفي".. فكن قريبًا منه بما يستطيع هو أن يتحمله، لا بما تتوق إليه مشاعرك أنت كأب.

 

* همسة أخيرة:

 

ثق أن ابنك يا عزيزي لا يزال يحتاج إليك، ولكن بأسلوب جديد. فلم يعُد يراك القدوة الصارمة، بل المرجع الهادئ. وإن تَصبرت قليلًا، فسيعود إليك لا ليستشيرك فقط، بل ليشكرك لأنه وجد عندك دومًا صدرًا رحبًا، وعقلًا منيرًا، وقلبًا لا يُغلق.

 

وكل ابن يَشتد عوده يومًا ما، لكن ما أجمل أن يَشتد وهو يَشعر أن وراءه أبًا يُحبّه لا يُقيّده، ويهديه لا يُقيّمه، ويثق به لا يُراقبه.

 

أسأل الله أن يُقر عينك بابنك، وأن يُعينك على أداء رسالتك الأبوية كما يحب ويرضى.

الرابط المختصر :