الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الشباب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
146 - رقم الاستشارة : 2223
29/07/2025
السلام عليكم د. أميمة،
يعطيچ العافية يا دكتورة، أنا متابعچ من فترة وأتابع الموقع دايم، ووايد أحب أسلوبچ وطريقتچ بالتفكير، وصدق أحس إنچ إنسانة فاهمة وتفهمنا عدل، علشان چذيه قررت أكتب لج، وأطلب رايج يمكن ألاقي حل.
أنا شاب كويتي عمري ٢٨، والحمد لله من عايلة معروفة ومستورين، أبوي تاجر وله اسم، وأنا اشتغلت معاه فترة بسيطة، بس ما حبيت الشغل معاه، وكل مرة أحاول أبدأ شي بروحي ما يكمل، يعني لو أكون صريح: ليلحين كل شي بحياتي مدفوع من أبوي، حتى سيارتي وبيتي وكل شي!
من كم سنة، حاولت أتزوج، وخطبت أكثر من مرة، بس دايم يصير شي وتتفركش السالفة، مرة البنت مو متفاهمة، ومرة أهلها مو مقتنعين، ومرة أنا اللي أنسحب، أحس إني مو جاهز!
صج يا دكتورة، أنا ما أدري شفييني، مرات أحس إني عديم الفايدة، ما أنجز شي بروحي، ولا بنيت شي من تعبي، بس قاعد أعيش على اسم أبوي وفلوسه.
واللي يزيد الطين بلّة، كل ما خطبت أحس البنت أو أهلها يشوفوني كـ "ولد فلان التاجر" بس، مو كإنسان له قيمة بروحه.
أنا أبي أصير إنسان مستقل، بس ما أدري من وين أبدأ؟ ولا شنو مشكلتي بالضبط؟
د. أميمة، شرايج؟ شنو أقدر أسوي؟ وهل فعلاً أنا فاشل مثل ما أحس؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أشكرك أيها الشاب الكريم على كلماتك الرقيقة، وعلى ثقتك التي أعتز بها كثيرًا، ويشرّفني أن أكون ممن تتابعهم وتأنس لأفكارهم، وهذا يدل على وعيك وحرصك على إصلاح ذاتك وتطوير حياتك...
ومرحبًا بك في زياراتك لموقعنا الجميل وبوابة مجلة المجتمع للاستشارات الإلكترونية.. فجزاك الله خيرًا، ووفقك لما فيه النفع والصلاح.
يا بنيّ، لقد لامست كلماتك أعماقًا حساسة في النفس الإنسانية، فشعور الإنسان بأنه "بلا قيمة" حين لا يُنجز أو لا يعتمد على نفسه، هو شعورٌ شائعٌ في مرحلة ما بعد النضج المبكر، وتحديدًا فيما يُعرف في علم النفس التربوي بـ Quarter-Life Crisis أي: "أزمة ربيع العمر"، والتي تصيب الكثير من الشباب في أواخر العشرينيات وبدايات الثلاثينيات، حين تبدأ أسئلتهم الوجودية: من أنا؟ ماذا أنجزت؟ هل لي قيمة حقيقية؟ هل هذا المسار يُمثّلني؟
وما يزيد من ثِقَل هذه المشاعر أنك تنتمي إلى أسرة ناجحة وميسورة، فبدل أن تكون هذه النعمة مصدر طمأنينة، أصبحت -في نظرك- مقياسًا تضغط به على ذاتك، وتشعر أن كل ما تملكه ليس من كدّك ولا اجتهادك، وبالتالي تتسرب إليك مشاعر فقدان الكفاءة الذاتية أو الـLow Self-Efficacy، وهذا ما يُشعرك أحيانًا بالعجز أو "الفراغ الداخلي".
* وهنا علينا أولاً، نُصحّح المفهوم..
يا بُنيّ، ليس صحيحًا أن من لم يبنِ نفسه ماليًّا بعد، لا قيمة له؛ فقيمة الإنسان في دينه، وعقله، وسعيه، ونيّته، وأخلاقه. قال رسول الله ﷺ: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
والدك -حفظه الله- تعب من أجلك، لا ليكون ما قدّمه لك وصمة تُثقل كاهلك، بل ليكون أساسًا تنطلق منه، لا عبئًا تحمله.
إن ما تمرّ به طبيعي ولكنه يحتاج توجيهًا.. فالقلق من المستقبل، ومن قيمة الذات، هو جزء من نُضجك العقلي والنفسي، ولكن المهم ألا يتحوّل هذا القلق إلى شلل نفسي Psychological Paralysis، يمنعك من المبادرة.
وربما تكرار فشل الخطوبة لم يكن بسببك كليًّا، بل لعوامل مشتركة، أو لأنك ببساطة لم تكن قد كوّنت هويتك الذاتية المستقرة، ولهذا تشعر بعدم الجاهزية رغم توفر المقومات الظاهرة.
* ولذلك سوف أُهديك نصائح لخطوات عملية لبناء الذات:
1- ابدأ من الداخل قبل أن تبدأ من المال..
فقوّة الإنسان الحقيقية لا تبدأ من أرصدته، بل من وعيه بقيمته. اسأل نفسك: من أنا بدون اسم العائلة؟ ما المهارة التي أُتقنها؟ ما الشيء الذي أُحبّه وأستطيع تقديمه؟ ابدأ تدريجيًّا في تنمية كفاءتك الداخلية، وهذا ما يسمى بـ Self-Empowerment أو "تقوية الذات".
2- تحمّل مسؤولية ولو صغيرة..
ابحث عن مشروع بسيط، أو عمل جزئي، أو حتى مبادرة تطوعية، لا لربح المال، بل لبناء نفسك، واكتساب معنى النجاح. ففي كل عمل ذاتي، تتكوّن لديك خبرات الإنجاز، وهي مفتاح تعزيز الثقة بالنفس أو الـ Self-Confidence.
3- فصّل مشروع حياتك على مقاسك لا مقاس والدك..
قد تكون غير مرتاح في عمل والدك، وهذا لا يقلّل من شأنك، بل يدل على وعيك الذاتي. فاختر مجالًا يعبّر عنك، لا عنهم، وابدأ فيه بخطوة صغيرة.
4- في العلاقات.. لا تبحث عمّن يُعجب بمالك، بل عمّن يرى قلبك..
واعلم أن فشل الخطوبة ليس فشلاً فيك، بل قد يكون حماية لك من ارتباط غير مناسب. ولا تقلق، فالرجل الذي يبني ذاته ويمشي بتدرّج وثقة، هو من يُلهِم من حوله ويكسب احترام من يقترب منه.
فإن وصلت لكل ما سبق، فينبغي عليك أن تبدأ في تعديل لغتك الداخلية.. بمعنى، أنك كلما قلتَ عن نفسك: "أنا بلا قيمة"، فإن العقل الباطن يعمّق هذا الاعتقاد، وتدخل في دائرة Negative Self-Talk – الحديث الذاتي السلبي.
فبدّل هذا إلى عبارات إيجابية: "أنا في بداية طريقي"، "أنا أبحث عن ذاتي الحقيقية"، "أنا أقدّر سعيي، ولو كان صغيرًا".
كما أوصيك بأن تتذكّر دائمًا قول الله عزّ وجل: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾، فلا يُطلب منك أن تكون ابنًا ناجحًا نسخة عن والدك، بل أن تكون أنت... أنت بسعيك، وعقلك، واختياراتك.
* همسة أخيرة لابني الكريم:
تأكد أن ثقتك في د. أميمة، ومبادرتك بالاستشارة، هما بذرتان في تربة ناضجة، فازرعهما بإرادة، واسقِهما بالعمل، وستُزهر حياتك بإذن الله تعالى.
استعن بالله، وخُذ بالأسباب، وابدأ بخطوة، فكما قيل: "وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تُؤخذ الدنيا غِلابا".