الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الشباب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
74 - رقم الاستشارة : 2559
31/08/2025
أحتاج مساعدتك. مش عارفة أعبر كل اللي جوايا، بس قلبي تعبان أوي. حاسّة إني غريبة حتى عن نفسي. مش عارفة ليه دايمًا بخاف، وليه حسّيت إني مقفولة ومحدش فاهمني.
حتى وأنا بين ناس كتير، بحس إني لوحدي. في حاجات كتير بتوجعني، ومش عارفة أقول لمين. خايفة أحكيلهم علشان ميتأذوش، أو علشان مايصدقونيش. فبقى كتمت جوايا، والوجع زاد.
حاسّة إني مش كفاية... مش كفاية قوية، ومش كفاية جميلة، ومش كفاية ذكية. دايمًا بحاول أرضي الكل، ولسه بحس إني فاشلة. حتى وأنا بنام، بتفكرني في كل اللي حصل، وبصحى تعبة أكتر ما أنا نايمة. مش عارفة أعيش كده، بس مش عارفة كمان أعمل إيه.
أنا تعبت، تعبانة من الحروب اللي جوايا، تعبانة من الوجع اللي مبيعرفش يخلص، تعبانة من الإحساس إني مش منتمية. كنت بحاول أظهر قوية، بس جوايا اتكسّرَت. مش عارفة أصلح اللي انكسر، ولا أعثر على نور في الظلام ده.
إيه الحل؟ إيه اللي أعملوه؟ عايزة أتنفس براحة.. عايزة أعيش من غير ما يوجعني كل حاجة حواليا.
ابنتي الغالية،
أشعر بصدق كلماتك وعمق ألمك، وما يثقل صدرك.
ما تمرّين به يا ابنتي ليس ضعفًا منك، بل هو انعكاس لصراع داخلي بين قلب عطِش للسكينة وروح تبحث عن معنى واطمئنان.
تفنيد المشاعر
وتفنيدًا لمشاعرك بهدوء:
أولًا: الإحساس بالوحدة والاغتراب الداخلي (inner alienation) هو أمر شائع عندما يبتعد الإنسان عن مصدر الطمأنينة الأصلي، وهو القرب من الله عز وجل. النفس إذا لم تتغذَّ بالذكر والعبادة، عطِشت لأي معنى آخر، فيتولد لديها القلق والفراغ العاطفي.. قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، فمصدر الطمأنينة الحقيقي لن تجديه في إرضاء الناس، بل في إرضاء الله عز وجل.
ثانيًا: شعورك بأنك "لست كفاية" هو نتيجة negative self-talk أي الحوار الداخلي السلبي.
علم النفس يؤكد أن الإنسان حين يعيد تكرار هذه العبارات لنفسه، يبرمج عقله على تصديقها، فتظهر أعراض low self-esteem (تدنّي تقدير الذات).
والعلاج هنا يبدأ بتصحيح هذا الخطاب الداخلي عبر self-compassion (الرحمة بالذات)، وتذكري أن الله خلقك فريدة، ووهبك قدراتك الخاصة.
ثالثًا: اعلمي حبيبتي أن: خوفك من مشاركة ألمك مع الآخرين نابع من الخوف من الرفض أو عدم التصديق، وهذا يزيد العزلة النفسية. لكن تذكّري أن الله سبحانه هو السميع القريب: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.
اجعلي من الدعاء ملجأك الأول، وأفرغي قلبك بين يدي الله بصدق، وستجدين أن البوح بين يديه أصدق راحة من أي بوح آخر.
رابعًا: احذري من محاولة إرضاء الجميع فقط، فهي دائرة مرهقة -نفسيًّا وبدنيًّا- تُفقد الإنسان ذاته، إن دخلها واستمر فيها.. في حين أن الإسلام يحررك من هذا القيد، إذ قال النبي ﷺ: "من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس".
خامسًا: الأرق بالنوم القلق، وكثرة التفكير قبل النوم، تعكس حالة cognitive overload (تشبع عقلي بالهموم)، والعلاج التربوي هنا هو "تفريغ العقل" قبل النوم بغية الاسترخاء، وذلك يكون عبر:
- كتابة كل ما يقلقك في ورقة، ثم الدعاء والتسليم لله.
- قراءة أذكار النوم، خاصة آية الكرسي والمعوذتين.
- كذلك ممارسة deep breathing techniques (تمارين التنفس العميق) لتخفيف التوتر الجسدي.
خطوات عملية للتعافي
* وإليك غاليتي خطوات عملية تقرّبك من الله وتعينك على التعافي إن شاء الله تعالى:
١- المواظبة على الصلاة في وقتها، فهي صمام الأمان النفسي.
٢- الاستغفار اليومي، فقد قال ﷺ: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا".
٣- قراءة جزء يسير من القرآن يوميًّا، حتى ولو صفحة، فهو نور للقلب.
٤- ثم ابحثي عن الصحبة الصالحة التي تذكّرك بالله وتُشعرك بالانتماء الإيجابي.
٥- التعبير عن مشاعرك كتابيًّا.. فالكتابة تنفّس عن الجرح الداخلي.
ابنتي، أنتِ لستِ فاشلة، بل مجاهدة، والمجاهد في نفسه أعظم عند الله أجرًا.
وأطمئنك بأن القرب من الله ليس فقط عبادة شكلية، بل هو علاج نفسي وروحي عميق يعيد بناء الداخل المكسور، ويُعيد إليك الشعور بالمعنى والانتماء.
* همسة أخيرة:
أحسني الظن بالله، وثقي أن الله سيبدّل حزنك فرحًا، وكسرك جبرًا، وضياعك هدى، إذا صدقتِ اللجوء إليه.