الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الشباب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
34 - رقم الاستشارة : 2078
25/05/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 25 سنة، أنهيت دراستي الجامعية، وأعمل الآن في وظيفة محترمة ومستقرة، وأفكر جديًّا في الزواج وتكوين أسرة.
أحب ابنة خالي منذ أن كنا أطفالًا، وكبر معنا هذا الشعور حتى صار حبًّا ناضجًا واعيًا، وهي أيضًا تبادلني نفس المشاعر، وقد صارحتني بذلك في أكثر من موقف، مع احتفاظنا دائمًا بالاحترام والحدود.
هي فتاة على قدر عالٍ من الخلق والدين والثقافة، وأشعر أنها الإنسانة الوحيدة التي تفهمني وتشبهني في طباعي وتفكيري. كلما فكرت في الزواج، لم أجد أحدًا أصلح منها لي زوجةً وأمًّا لأولادي.
لكن مشكلتي الكبيرة هي رفض الأهل، والسبب أن هناك خلافات قديمة ومعقدة بين والدي وخالي، وصلت إلى القطيعة أحيانًا، رغم أننا كأبناء لم نكن طرفًا فيها أبدًا.
أعلم أن والديّ لن يوافقا على زواجي منها تحت أي ظرف، لا بسببها هي، ولكن بسبب موقفهم من خالي.
وخالي كذلك متشدد في موقفه، ويرى أنني "ابن من ظلمه"، ولا يصلح أن أكون زوجًا لابنته!
أما هي، فتبكي كثيرًا كلما تحدّثنا عن الأمر، وتشعر بالتمزق بين حبها لي، وبرّها لأهلها.
أصبحت في صراع دائم بين عقلي وقلبي: هل أتنازل عن حب عمري لأجل إرضاء الأهل؟ أم أتمسك بحقي في اختيار شريكة حياتي، وأغامر برفض العائلتين؟ هل من الحكمة أن أواجههم الآن؟ أم أنتظر حتى تتغير الظروف؟
أشعر أن عمري يضيع بين الخوف والحيرة، ولا أريد أن أندم لاحقًا على قرار متسرع أو على تضحية مؤلمة.
أرجو منكم التوجيه، كيف أتعامل مع هذه المشكلة تربويًّا ونفسيًّا، وهل هناك أمل في الإصلاح بين العائلتين؟ وهل يجوز أن أتزوجها شرعًا رغم الرفض، إن استمرّت القطيعة؟
بارك الله في علمكم ونفع بكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا بني،
هذه الروح الراقية التي عبّرت بها عن مشكلتك، تكشف عن نضج وجداني، ووعي أسري، وإحساس عميق بالمسؤولية.
بُني العزيز، إنّ ما تمر به ليس بالأمر الهين؛ فصراعك بين الحب الذي تعيشه، وواقع أسري متأزم، يمثل نموذجًا واضحًا لصراع داخلي نفسي يُعرف بـ "Value Conflict"، أي صراع القيم، حين يتقاطع الواجب الأسري مع الحاجات العاطفية.
أول ما أود أن أطمئنك به: أن مشاعرك تجاه ابنة خالك ليست مذمومة، بل إن الحب إذا نبت في أرض الطهارة، وسُقي بالنية الصادقة، فليس فيه ما يُعاب، بل هو فطرةٌ فطر الله الناس عليها، وقد قال رسول الله ﷺ: "لم أرَ للمتحابين مثلُ النكاح".
لكن اسمح لي -يا بني- أن أضع بين يديك بعض النقاط المهمة بمنهج تفنيدي، علها تعينك على الرؤية الواضحة والقرار الرشيد:
أولًا: هل الزواج قرار قلبي أم أسري اجتماعي؟
- الحب جزء من معادلة الزواج، لكنه ليس المعادلة كلها. فـ الزواج رابطة أسرية جماعية، وليس فقط علاقة ثنائية، وبالتالي لا يمكن أن يقوم على العاطفة وحدها دون موافقة الطرفين والأسرتين، خاصة في مجتمعاتنا الشرقية التي تقوم على الترابط العائلي، حيث تُعد الأسرة نواة القرار وليس الفرد فحسب.
ثانيًا: أن ما ذكرته من خلاف قديم بين والدك وخالك يُشير إلى نمط من أنماط الصراع المتجذر بين الأجيال، وهو من أشد ما يؤثر على اتخاذ القرارات المصيرية للأبناء؛ لأنه ينتج عنه ما يُسمى بـ "Transgenerational Emotional Cutoff"، أي القطيعة الشعورية المتوارثة بين العائلات. وهنا علينا أن نُدرك أن تجاوز هذا النوع من الخلاف يتطلب جهدًا، على أن يكون جهدًا حذرًا لا اندفاعًا عاطفيًّا.
ثالثًا: نأتي لنقطة مهمة وخطيرة في الموضوع، ألا وهي أنه إذا قررتما الزواج رغم الرفض، فإنكما ستكونان عُرضة لما يُعرف بـ Chronic Family Stress، أي الضغط الأسري المزمن، والذي غالبًا ما يؤثر على استقرار العلاقة الزوجية مستقبلاً، ويؤدي إلى Emotional Burnout، وهو الإرهاق العاطفي بشكل كبير لدى أحد الطرفين أو كليهما.
وكما أنه من المكروه شرعًا أن يمنع ولي الأمر الفتاة أو المرأة من الزواج بالكفء، دون مبرر شرعي. فإنه أيضًا لا يجوز شرعًا زواج البكر إلا بولي.. وقد قال النبي ﷺ: "إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
والإسلام كذلك لم يُغفل أهمية صلة الرحم، بل جعلها من أوثق العبادات، وقد قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾. وهنا تظهر الحاجة إلى موازنة دقيقة بين الشرعي والعاطفي والعائلي.
ولهذا يا بني، فإنني أرى أن الطريق الأنسب لحل معادلتكم الصعبة، يكون كالتالي:
١- ابدأ بمحاولات الإصلاح بين والدك وخالك من خلال طرف ثالث حكيم، قد يكون جدك، أو عمًّا مشتركًا، أو شيخًا للأسرة، أو حتى استشارة موثوقة. وهذا ما يُعرف في علم النفس الأسري بـ "Family Mediation"، أي الوساطة الأسرية. فربما يكون هذا الإصلاح مدخلًا لقبول فكرة الزواج لاحقًا.
٢- اختر التوقيت المناسب لطرح الموضوع على أهلك، بهدوء وحكمة، لا بانفعال. اكسب دعم والدتك أولًا، فهي غالبًا أكثر تفهمًا، وقد تمهد الطريق لأبيك.
٣- كن مستعدًا للتنازل المرحلي، لا تتعجل الخطوات؛ فالزواج قرار مصيري لا يُؤخذ تحت ضغط الحزن أو الحب فقط، بل يحتاج إلى الجاهزية الفكرية والعقلية.
٤- حافظ على علاقتك بابنة خالك ضمن حدود الشرع، ولا تورطها في وعود عاطفية تؤجج الألم إن لم تُكلل بالزواج.. فالحب في غياب النضج والوضوح يتحول إلى معاناة نفسية.
٥- إن استُنفدت كل السبل، ولم يكن من سبيل للإصلاح، فاستخر الله عز وجل، واعلم أن اختيار الزوجة ليس قدرًا محتومًا، بل هو قرار له تبعات دنيوية وأسرية طويلة المدى، وقد قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾.
*همسة أخيرة:
يا بني، لا تظن أن التنازل عن حبٍ في سبيل رضا الله وبر الوالدين هو هزيمة، بل هو ارتقاء. وقد قال أحد الصالحين: "ما ترك أحد شيئًا لله إلا عوّضه الله خيرًا منه". فإن قدّر الله الزواج بينكما، فسييسره ولو بعد حين، وإن لم يقدّر، فثق أن الله يُخبئ لك سعادة أخرى، وأن الخير دائمًا فيما يختاره الله، لا فيما نُلح عليه بقلوبنا.
قل في دعائك: "اللهم لا تعلق قلبي بما ليس لي"، وثق أن الرحمة ستُدهشك حين تُشرق بعد الصبر.
أسأل الله أن يصلح ما بينك وبين رحمك، وأن يجعل ابنة خالك زوجة لك على سنة الله ورسوله وبرضا تام من الأهل.