الإستشارة  -   المستشار :  د. أميمة السيد 
-  القسم : الشباب 
-  التقييم :   
-   عدد المشاهدات :   71 71
-  رقم الاستشارة : 2801 
27/09/2025
 
السلام عليكم، أنا شاب عمري ٢٧ عامًا وأواجه مشكلة متكرِّرة في علاقاتي العاطفية. كلما أعجب بفتاة وأبدأ معها علاقة جدّية أو حتى أخطو خطوة خطبة، أجد بعد أسابيع أن مشاعري قد تغيّرت: أحيانًا ينطفئ الحماس تدريجيًا، وأحيانًا أكتشف أمورًا في تصرفاتها أو في توافقنا لم ألحظها في البداية، وأحيانًا أكون خاطئًا في تقديري لمشاعرها نحوي.
تكرر هذا الأمر في أكثر من علاقة وسبّب لي مشكلات — انسحابات مفاجئة، خلافات، وجروح للطرف الآخر ولنفسي. قال لي أحد الأصدقاء إن السبب أنني "غير ناضج عاطفيًا" فهل هذا فعلاً السبب؟ متى ينضج الإنسان عاطفيًا؟ كيف أقيّم نضجي بنفسي؟ وما الخطوات العملية التي تساعدني على اتخاذ قرارات ارتباط أكثر ثباتًا وأقل إلحاقًا بالأذى؟
وكيف أتعامل مع الذنب والقلق الناتج عن انتهاء علاقات سابقة؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
ابني الكريم، حفظك الله ورعاك،
أولًا: أحب أن أُثني على وعيك وحرصك على أن تفهم نفسك لتعلم كيف تختار شريكة حياتك بميزان الحكمة لا بمجرد الاندفاع. وهذا بحد ذاته علامة نضجٍ ووعيٍ نفسي، فالذي يسعى لمراجعة ذاته هو أقرب الناس إلى التصحيح والتطوير.
مرحلة إعادة التقييم
ثم دعنا نفنّد ما يحدث معك بعمق، فما ذكرته من أن مشاعرك تتغير سريعًا بعد الارتباط، أو أنك تكتشف أن حكمك الأول لم يكن سليمًا، أمر ليس غريبًا ولا يُعد بالضرورة عدم نضج عاطفي كما وصفه صديقك. بل هو ما يسميه علماء النفس التربوي مرحلة إعادة التقييم (Re-evaluation Stage) التي تلي غالبًا مرحلة الإعجاب السطحي أو الانبهار(Infatuation) . ففي البداية يعمل الدماغ على تنشيط هرمونات الحماس والانجذاب، ثم تبدأ العمليات المعرفية (Cognitive Processes) في تحليل الواقع والتفاصيل بشكل أكثر موضوعية.
النضج العاطفي
النضج العاطفي (Emotional Maturity) لا يُقاس بالعمر الزمني وحده، وإنما يُقاس بقدرتك على:
1- إدارة الانفعال (Emotion Regulation): أي أن تفرّق بين المشاعر اللحظية والقرار المصيري.
2- تحمل المسؤولية: بأن تدرك أثر قراراتك على نفسك وعلى الطرف الآخر.
3- الوعي الذاتي(Self-Awareness) : أن تكون صريحًا مع نفسك: ما الذي أريده حقًّا؟ ما هي أولوياتي وقيمي؟
4- كذلك التأني والتفكير طويل المدى: كأن تسأل نفسك: هل أرى هذه الفتاة أُمًّا لأولادي؟ هل نتوافق في قيمنا وديننا وأهدافنا؟ وهكذا.
التعلق الانفعالي
أحيانًا يكون ما يحدث معك مرتبطًا بنمط من التعلق الانفعالي (Attachment Style) الذي يتكون منذ الطفولة. فلو كان لديك مثلًا ميل لـ التعلق القلق (Anxious Attachment) فقد تبدأ بحماس زائد ثم تشعر بالخذلان أو عدم التوافق بسرعة. ولو كان لديك ميل لـ التعلق المتجنب (Avoidant Attachment) فقد تهرب عاطفيًّا حين تشعر بالالتزام الجاد.
لذا معرفة نمطك العاطفي يساعدك كثيرًا في فهم نفسك. وأنت هنا من تستطيع التفكير بهدوء والحكم على نفسك.
نصائح عملية تساعدك
- اجعل فترة التعارف "مراقبة وتفكر" لا "اندفاع وإعلان مشاعر".
- اسأل نفسك أسئلة "القيم" لا أسئلة "الإعجاب": هل بيننا تقارب في الدين؟ في الفكر؟ في نمط الحياة؟
- استشر أهل الحكمة وأقاربك الموثوقين؛ فالمستشار مؤتمن.
- أكثر من الدعاء والاستخارة؛ ففيها سكينة للقلب وحسن التوجيه من الله تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾.
وأخيرًا، لا تحمل نفسك ذنبًا زائدًا عن طاقتها، فما دمت لا تتلاعب بمشاعر الفتيات وتتصرف بوضوح وصدق، فأنت في دائرة السعي المشروع لا في دائرة الإثم. المهم أن تتعلم من كل تجربة وتضيفها إلى خبرتك، حتى لا تتكرر أخطاؤك ولا تتسبب في جرح مشاعر الفتيات.
واعلم أن النضج العاطفي رحلة مستمرة، ولا يصل الإنسان فيها إلى الكمال، لكنه يترقى فيها بالصدق مع نفسه وبالاستعانة بالله تعالي، وبالحرص على العلم والخبرة والتجارب المدروسة.
*همسة أخيرة:
أبشر يا بني، ما دمت تسأل وتراجع نفسك، فهذه أولى خطوات النضج، وستصل بإذن الله إلى اختيار رشيد يُثمر زواجًا مستقيمًا ومطمئنًا.
روابط ذات صلة:
 
 