Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الشباب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 18
  • رقم الاستشارة : 2044
22/05/2025

السلام عليكم يا دكتورة،

أنا بنت مخطوبة لشخص عن حب، وكنا متفاهمين في البداية، لكن بعد فترة بدأت تظهر بيننا مشاكل كبيرة، وانفصلنا بشكل نهائي. بعدها بفترة جه شاب تاني كان عارفني من زمان، وكان دايما بيقول إنه معجب بيا، ولما عرف أني انفصلت، اتقدم فورا.

في الأول كنت مش حاسة بأي مشاعر ناحيته، لكن قلت أديه فرصة، خصوصًا إنه كان بيهتم بيا جدًّا، وكان دايمًا يفاجئني بهدايا وكلام حلو. مع الوقت بدأت أحس بمشاعر ناحيته، وقررت أرتبط بيه رسمي.

بس بعد ما اتخطبنا، بدأت ألاحظ تصرفات غريبة منه: غيرته زادت بشكل خانق، بقى يشك فيا على كل حاجة، حتى لو رديت على تليفون أو اتأخرت في الرد، ومرات كان بيلمح إني على علاقة بحد تاني! وأنا والله عمري ما خنته ولا عملت حاجة تغضب ربنا.

عدّيت كتير وسكت، بس وصلت لمرحلة تعبت فيها نفسيًّا، ولما بابا عرف التفاصيل، صمم يفسخ الخطوبة بنفسه، خصوصًا لما شاف إن الشك بقى مرضي. بعد الانفصال، فضل يراقبني وظهر لي أكتر من مرة فجأة، ولما لقيته مش بيبطل، عملت محضر بعدم التعرض، واختفى بعدها فترة.

رجعت بعدها لخطيبي الأول، وابتدينا نرتب للرجوع رسمي، لكن أول ما الشخص التاني عرف، ظهر تاني في حياتي بشكل مفاجئ، وبعتلي ورد في عيد ميلادي، وبدأ يراقبني تاني، والأسوأ إنه بعت لخطيبي الحالي رسالة من أكونت مجهول بيقوله فيها إني بخونه!

أنا متأكدة إنه هو اللي بعتها، خصوصًا إنه بعدها بعتلي رسالة من رقم أخته بيهددني بشكل مبطن. بابا لما كلم أهله، قالوا بصراحة: "احنا مش قادرين نسيطر عليه".

المشكلة دلوقتي إني مش قلت لخطيبي أي حاجة من اللي حصل، وهو بيسأل مين ممكن يبعتله كده، ومش عارفة أقول له الحقيقة كاملة ولا لأ، خصوصًا إني خايفة تسيب أثر على علاقتنا.

هل الصح أقوله كل اللي حصل؟ ولا أسكت وخلاص طالما الشخص التاني ما بقاش بيأثر عليا بشكل مباشر؟

الإجابة 22/05/2025

ابنتي الحائرة،

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

قرأت رسالتكِ بتأنٍّ، ولمستُ بين سطورها شعورًا قويًّا بالمسؤولية، وهذا في ذاته أمر يُحسب لكِ، ويدل على وعيكِ الذاتي، رغم ما مررتِ به من مواقف عصيبة.

 

قد يرى البعض أنك فتاة تلاعبتِ بمشاعر شخص أحبك، في سبيل إثارة حفيظة عواطف خطيبك الأول.. ولكن من تحليلي النفسي للقصة أرى أنه حُكم ظالم عليكِ، والدليل: تأكيدك أنك كنت مخلصة له ونيتك كانت خيرًا.. ولكن تراجعت بعد معاملة غير مريحة منه معك.. فخيرًا فعلتِ حينما آثرت ألا تكملي الزيجة التي كان محكومًا عليها بالفشل بنسبة كبيرة.

 

* ولهذا أبدأ معكِ ببعض النقاط المفصلة:

 

أولًا: أنتِ لستِ مذنبة.. وما فعلتِه من إنهاء علاقتكِ بخطيبكِ الثاني لم يكن تصرفًا اندفاعيًا، بل كان قرارًا دفاعيًا صحيًّا، جاء بعد شعوركِ بعدم الأمان النفسي، وكثرة التعدي العاطفي من ناحيته، أي "التحكم القهري" (Controlling Behavior) و"الغيرة المرضية" (Pathological Jealousy).

 

وهذا النوع من الشخصيات – كما يظهر من وصفكِ – يُصاب غالبًا باضطراب في ضبط الغضب، ويُمارس على الطرف الآخر ما يُسمى بـ"الإرهاب العاطفي" (Emotional intimidation)، سواء بالإلحاح، أم المراقبة، أم التشكيك، أم الترهيب؛ وهو ما جعل موقف والدكِ حاسمًا؛ لأنه رأى أن هذه البيئة العاطفية لا تصلح للحياة الزوجية فيما بعد.

 

ثانيًا: أيضا قرار الرجوع لخطيبكِ الأول ليس خطأ.. وهذا بالطبع إذا كان خطيبكِ الأول أهلًا لذلك الرجوع، وكانت الأمور قد بُنيت مجددًا على فهم ونضج مشترك، فلا عيب في إعطاء القلوب فرصة ثانية، والله عز وجل يقول: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، فكما أن الشرع أباح الانفصال بسلام، أباح أيضًا الرجوع متى توافرت شروط الأمان والمحبة والصدق.

 

ثالثًا: وتسألينني هنا: هل تخبرينه بما حدث؟

 

السؤال الجوهري أولا: هل إخباركِ له سيزيد من ثقته بكِ، أم سيُربكه ويهز استقراره النفسي؟

 

القاعدة النفسية هنا تقول: "الوضوح مع وجود الأمان أفضل من السكوت مع القلق". ما دام الأمر لم يعد مجرد ماضٍ وانتهى، بل صار يُشكّل تهديدًا حاليًا واضحًا (مثل إرسال الرسائل، ومحاولات التشويه)..

 

وكذلك إن كنتِ تثقين في أن خطيبك الحالي غير متهور في انفعالاته.. فأنا أرى –من الناحية التربوية والنفسية– أن تُصارحي خطيبكِ بالحقيقة، ولكن بهدوء، وتُقدّمي له القصة كاملة كما هي، مع التأكيد على النقاط التالية:

 

- أنكِ من بدأتِ قرار الانفصال عن هذا الشخص حماية لنفسكِ ودينكِ وكرامتكِ.

 

- أن والدكِ كان داعمًا لكِ وواقفًا في صفكِ حين علم بما كان يحدث.

 

- أن كل ما فعله هذا الشخص بعد الانفصال هو من طرفه وحده، دون أي تجاوب منكِ.

 

- أن قرار الرجوع إلى خطيبكِ الحالي كان عن قناعة حقيقية، لا رد فعل.

 

- احرصي أيضًا في حديثكِ معه عن هذا الأمر، على ما نسمّيه بـ "لغة الصدق المُطمئنة"؛ فهي المفتاح في المواقف التي يكون فيها الطرف الآخر تحت تأثير التوتر والشك.

 

رابعًا: لا تدفني الحقيقة خوفًا.. فإخفاؤكِ للأمر قد يفتح بابًا للتأويلات في عقل خطيبكِ، وقد يزيد قلقه النفسي وشكوكه، خصوصًا إن ظل الشخص الآخر يُحاول التلاعب بعلاقتكما. ولكن حين تُقدّمين له الحقيقة، سيكون لديه فرصة أن يشارككِ المسؤولية في حماية العلاقة.

 

وتذكّري قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}، فـ "القول السديد" هو الصدق الذي يُبنى على حكمة لا تُفرّق، وصراحة لا تُهين.

 

خامسًا: قد يحتاج الأمر لتدخّل قانوني.. حيث إنه إذا استمر الطرف السابق في الإيذاء أو التهديد، فأنتِ بحاجة لحماية قانونية حازمة، وربما بلاغ رسمي آخر، ولا مانع من استشارة مختص قانوني. فهذا النوع من السلوك يُعد في كثير من الحالات صورة من صور "العنف السيبراني".

 

* همسة أخيرة يا ابنتي:

 

كوني قوية بالله، ولا تخافي من صدقكِ، فأنتِ لم تفعلي ما يُخجل، بل اتخذتِ القرارات الصحيحة في الوقت الصعب، والله لا يُضيع من اتقى وأصلح. وتذكّري دائمًا قول الحبيب المصطفى ﷺ: "اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".

 

وأنتِ، بعقلكِ وخلقكِ، قادرة أن تخلقي بإذن الله بيتًا سويًّا، آمنًا، قائمًا على المودة والصدق والرحمة.

الرابط المختصر :