الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الشباب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
6 - رقم الاستشارة : 2054
24/05/2025
السلام عليكم دكتورة، أنا طالب في السنة الأولى بكلية التجارة، لاحظت منذ بداية الدراسة أن أحد زملائي المقربين يخطئ كثيرًا في الكتابة الإملائية، خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانًا في تدوين الملاحظات بالمحاضرات. أخطاؤه واضحة جدًّا، مثل كتابة "إنشاء الله" بدل "إن شاء الله"، و"لاحضت" بدل "لاحظت"، وغيرها الكثير.
أستغرب كيف اجتاز المراحل الدراسية السابقة ووصل إلى الجامعة دون أن يتقن أساسيات اللغة العربية، خصوصًا أننا نكتب بها في أغلب المواد. أنا متردد في أن أفتح معه هذا الموضوع، أخشى أن أجرحه أو يسيء فهمي. فكيف أنصحه بطريقة لبقة لا تُحرجه؟ وهل من وسيلة فعالة يمكن أن أقدمها له كي يحسّن مستواه في اللغة العربية؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أرحب بك أيها الشاب النبيل، وأشدّ على يدك لما أبدَيتَه من اهتمام بشأن زميلك، وحرصك على مصلحته وتطوّره. فهذه الروح التي تسكنك إنما تدل على نُبلٍ خُلُقي وفهمٍ سليم للسلوك الإيجابي تجاه الآخرين، المبني على التعاطف والدعم البنّاء.
وإنّ انزعاجك من ضعف زميلك في الكتابة الإملائية أمرٌ مفهوم، لكنه بحاجة إلى ضبطٍ تربوي شعوري قبل أن يتحول إلى حُكم غير مقصود قد يُشعر الطرف الآخر بالنقص أو التقليل، ولو عن غير قصد. لذا دعنا نُفكّك الموقف معا تربويًّا ونفسيًّا، وأقدّم لك إطارًا سليمًا للتعامل:
أولًا: في السياق التربوي، ليس كل من يصل إلى المرحلة الجامعية يمتلك المهارات اللغوية ذاتها، فهناك تباين في الخلفيات التعليمية والثقافية يُعرف بـIndividual Differences، أي "الفروق الفردية".
وقد يكون زميلك قد مرّ بتجربة تعليمية فيها ضعف في التأسيس، أو لم تُتح له بيئة داعمة لتقويم مهاراته، وهذا يُفسَّر ضمن إطار Educational Neglect أو "الإهمال التربوي المؤسسي أو التعليمى"، وهو شائع في بعض مراحل التعليم قبل الجامعي. وهذا التفاوت لا يلغي بالضرورة كفاءته الفكرية أو إمكاناته في مجالات أخرى.
ثانيًا: بالنسبة لتوجيه النصح دون إحراج..
المطلوب هنا أن تُمارس ما يُعرف بـ"التغذية الراجعة البنّاءة"، والتي تُمثّل أرقى أشكال التواصل الحواري في بيئة التعلم. ولكي تكون فاعلة وراعية للمشاعر، يجب أن تُقدّم بطريقة تتضمن:
- مراعاة التوقيت: اختر وقتًا يكون فيه مرتاحًا وغير منشغل أو مضغوط.
- استخدام الأسلوب التشاركي أو النبرة التعاونية (Collaborative Tone) فبدلاً من أن تُظهره في موضع ضعف، اجعل النُصح بينكما مشتركًا، كأن تقول: "أنا بدأت أنتبه لأخطائي الإملائية مؤخرًا، وقلت أراجع نفسي أكثر. تحب نراجع بعضنا لما نكتب؟".
- تقديم النصح على هيئة اقتراح.. مثلاً: "كتابتك فيها أفكار جميلة، لكن لو استخدمت مدقق إملائي ممكن تطلع أجمل كمان."
وهذا ما نطلق عليه "التواصل الآمن نفسيًّا"، وهو من أرقى أدوات التأثير الإيجابي.
ثالثًا: كيف تساعده عمليًّا؟
إذا رغبت في أن تمد له يد العون، فهناك بعض الخطوات الواقعية التي يمكن أن تُعينه دون أن تُشعره بأي حرج:
1- اقترح عليه قراءة مشتركة لكتاب مبسط في الإملاء مثل "قواعد الإملاء المبسطة"، أو مشاركة في قناة تعليمية على اليوتيوب.
2- أنشئوا مجموعة على وسائل التواصل لمراجعة كتابات بعضكم، وهذا يُنمّي ما يُعرف بـ "التعلم التعاوني".
3- شجّعه على استخدام أدوات إلكترونية مثل "المدقق العربي" أو "أداة لغتي" التي تُساعد على تنمية الوعي الإملائي والنحوي بتمارين تفاعلية.
رابعًا: أدعوك لمراجعة نيتك – رغم أنني ألمس فيها الخير – فإن النية الصادقة تُعطي للنصيحة قوتها. وقد قال رسول الله ﷺ: "مَن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة".
فإن استطعت أن تحفظ ماء وجه زميلك، وتُصلح من أمره في الوقت ذاته، فقد جمعت بين الحكمة والرحمة، وبين النصيحة والإحسان، وهذا هو السلوك التربوي النبيل. وكذلك عند تقديمك النصيحة له بهذا الشأن، فيكون بينك وبينه فقط؛ إذ إن النصيحة على الملأ فضيحة.
وأخيرًا: تذكّر أن النقص في جانب لا يُلغي القيمة في جوانب أخرى.. وقد يكون زميلك مميزًا في التحليل، أو بارعًا في العلاقات الاجتماعية، أو قويًّا في المحاسبة أو الاقتصاد، فاجعل رؤيتك له شاملة..
فكما قال الشاعر:
ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها ** كفى المرءَ نُبلاً أن تُعدَّ معايبُه
* همسة أخيرة:
نُبلك الأخلاقي يُحتّم أن تكون عونًا خفيًّا لا جرحًا ظاهرًا، وأنت بإذن الله على طريق الخير، فاصنع له يدًا تُمسكه لا لسانًا يُؤنّبه، ولعل كلمتك اللطيفة تكون بذرة تغيير تثمر غدًا طالبًا بارعًا.
وفقك الله وسدّدك.