الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الشباب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
89 - رقم الاستشارة : 2509
28/08/2025
دكتورة.. عند دراسة عادات الأشخاص ذوي الأداء العالي، نجد أن الاستيقاظ باكرًا تتصدر قائمة هذه العادات بشكل ملحوظ.
سؤالي ليس فقط عن 'هل هذه العادة مفيدة؟'، ولكن أتمنى أن نتعمق أكثر في الآلية النفسية والعصبية وراءها.
ابني العزيز،
رغم أن سؤالك قد يبدو للبعض أنه لا داعي له أو أنك شاب متفلسف، فإنه سؤال عميق ويدل على وعيك ورغبتك في فهم الأمور من جذورها لا من مظاهرها فقط، وهذا في حد ذاته علامة نضج فكري ونفسي.
حين نتأمل عادة الاستيقاظ المبكر عند الأشخاص ذوي الأداء العالي، فإننا لا نتحدث عن مجرد سلوك يومي، بل عن منظومة نفسية وعصبية متكاملة.
- فمن الناحية العصبية (Neuroscience):
الجسم الإنساني مبرمج وفق الساعة البيولوجية، وهي التي تضبط هرمونات النوم والاستيقاظ مثل الكورتيزول (Cortisol) والميلاتونين(Melatonin) .
الاستيقاظ المبكر يتزامن مع ارتفاع إفراز الكورتيزول بشكل طبيعي في الصباح، وهو ما يزيد من اليقظة العقلية (Cognitive Alertness) ويعزز القدرة على التركيز وصنع القرار.
أما السهر الطويل فيخل بهذا التوازن، فيؤدي إلى ما يشبه "فوضى هرمونية" تُضعف الأداء العقلي والجسدي.
- ومن الناحية النفسية:
الاستيقاظ المبكر يعزز ما يسمى بـ Self-Regulation أي القدرة على ضبط الذات وتنظيم السلوك. وهذا ينعكس إيجابًا على Executive Functions وهي الوظائف التنفيذية، مثل التخطيط، التحكم في الانفعالات، وترتيب الأولويات. كذلك يمنح الإنسان شعورًا بالسيطرة على يومه، مما يرفع من مستوى Psychological Well-being الصحة النفسية.
- أما من الناحية التربوية والأسرية:
حين يتبنى الشاب عادة الاستيقاظ المبكر، فإنه يعلّم من حوله قيمة الانضباط الذاتي (Self-Discipline) من خلال القدوة العملية، فتترسخ هذه القيمة في الأسرة والمجتمع.
بل إن وقت الصباح الباكر يمنح صفاءً ذهنيًّا وهدوءًا نفسيًّا يندر وجوده في ساعات اليوم الأخرى، وهو ما يساعد على التأمل، التفكير، والإبداع.
وديننا الحنيف -يا عزيزي- سبق العلوم الحديثة في الحث على هذه العادة؛ قال النبي ﷺ: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"... وهذا الحديث يوضح أن بركة الوقت والإنجاز تُكتب لمن يبدأ يومه مبكرًا. كما أن صلاة الفجر في وقتها تمثل تدريبًا روحانيًّا ونفسيًّا على الاستيقاظ المبكر وربط الإنجاز بالعبادة.
وأخيرًا.. ابني العزيز، ليس الهدف أن نُقدِّس عادة الاستيقاظ المبكر بمعزل عن غيرها، بل أن نفهم آليتها حتى نوظفها بوعي.
فالاستيقاظ المبكر يصبح قوة حقيقية حين يقترن بتنظيم النوم، وتحديد أهداف واضحة لليوم، واستثمار الصباح في أعمال ذات قيمة عالية.. بذلك يتحول من مجرد عادة إلى نظام حياة متكامل يربط بين صفاء العقل، استقرار النفس، ورضا الروح.
* همسة أخيرة لكل من لم ينعم بنعمة الاستيقاظ المبكر:
اجعل من الصباح موعدًا مع نفسك، مع ربك، ومع أهدافك، وستجد أن يومك كله قد امتلأ بالبركة والنجاح إن شاء الله.