جوالها يسرق عمرها.. وسائل للخلاص من إدمان الشاشات

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الشباب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 172
  • رقم الاستشارة : 2273
04/08/2025

سلام الله عليكم

أنا بنت عمري 24 وعندي مشكلة قاعدة تستنزف وقتي وطاقتي وتخليني أحس بندم وفراغ داخلي مو طبيعي.

ألقى نفسي أقضي ساعات طويييلة باليوم، وأنا أتنقل بين مقاطع الفيديو المتنوعة في برامج التواصل، وبين سوالف ورسايل ما تخلص مع الصديقات أو في القروبات. يبدأ يومي بالجوال ويخلص بالجوال، وكأنّي ما أقدر أفكه من يدي.

والمشكلة الأكبر بعد كل هالساعات، أحس بفراغ قاتل، وكأنّي ما سويت شي. هالشعور مؤلم مررة ويزيد كل يوم عن اللي قبله. أحاول قد ما أقدر إني أقلل من هالوقت، وأحلف لنفسي إني بوقف، بس سرعان ما أرجع كأن فيه شي يشدني غصب عنه.

كيف أروّض نفسي وأترك هالتعلق الشديد بالجوال والتصفح اللي أحس إنه صار إدمان؟

وش الخطوات العملية اللي أقدر أسويها عشان أخلي وقتي مليان بشي مفيد ومثمر، يملأ الفراغ اللي أحس فيه بدل هالضياع اللي أنا عايشته؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 04/08/2025

وعليكم سلام الله ورحمته وبركاته، ومرحبًا بك ابنتي الغالية، وشكرًا جزيلاً لك على هذه الثقة الغالية التي منحتِها لنا بمراسلتك، وعلى فتح قلبك لنا بهذا الصدق وهذه الشجاعة. أسأل الله أن يبارك فيك، وأن يفتح عليك أبواب رحمته وتوفيقه، وأن يلهمك الرشد والصواب في كل أمور حياتك، وبعد...

 

فإن ما تشعرين به من ندم وفراغ داخلي هو شعور يمر به كثيرون في عصرنا هذا الذي كثرت فيه الملهيات وتعددت سبل الوصول إليها عبر ما تسمى وسائل التواصل الاجتماعي.

 

إدمان الشاشات وفراغ الروح

 

ابنتي الكريمة، لقد وصفتِ ما تمرّين به وصفًا دقيقًا بكلمة "إدمان"، وهذا هو مربط الفرس. فالتعلق المفرط بالجوال وبرامج التواصل الاجتماعي أصبح إدمانًا حقيقيًّا لدى كثيرين، يستنزف الوقت والطاقة ويولِّد شعورًا عميقًا بالندم والفراغ. فالمشكلة ليست في الجوال بحد ذاته؛ بل في كيفية استخدامه، وتحوله من وسيلة للاتصال إلى غاية. إن هذا الشعور بالفراغ يأتي غالبًا من أن النفس البشرية مفطورة على طلب المعاني السامية، والبحث عن هدف لوجودها، وعندما تُشغل بما لا ينفع، تظل تشعر بهذا الخواء الروحي.

 

إن هذه الساعات الطويلة التي تقضينها في التصفح والدردشة هي في حقيقتها هروب من واقع ما أو فراغ، أو محاولة لملء مساحات معينة في حياتك، لكنك مع الأسف تملئينها بفراغ أكبر.

 

ترويض النفس والتغيير من الداخل

 

ابنتي الغالية، إن ترويض النفس جهاد عظيم يحتاج إلى صبر ومصابرة، وإلى يقين بأن الله سيعينك ما دمتِ صادقة في نيتك.

 

وأقترح عليك الخطوات التالية لترويض نفسك:

 

- النية الصادقة والتوكل على الله:

 

أول خطوة هي العزم الصادق من قلبك على التغيير، مع التوكل الكامل على الله. ادعيه بقلب خاشع أن يعينك على نفسك، وأن يهديك سواء السبيل. قولي: "يا رب، أعنّي على نفسي، وألهمني رشدي، واجعل لي من كل ضيق مخرجًا".

 

- استحضري مراقبة الله:

 

استحضري دائمًا أن الله يراك ويعلم ما في نفسك. هذا الاستحضار يورث الخشية والحياء من الله، ويدفعك لتوجيه وقتك وطاقتك لما يرضيه.

 

- المحاسبة الذاتية:

 

خصصي وقتًا يوميًّا لمحاسبة نفسك. اسألي نفسك: ماذا فعلت اليوم؟ كم ساعة قضيتِها فيما ينفع؟ وكم ساعة أهدرتِها؟ هذه المحاسبة تدفعك للتغيير والتحسين المستمر. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا".

 

- تقوية الإيمان والتعلق بالقرآن:

 

كلما قوي إيمانك وزاد تعلقك بكتاب الله، ازددتِ قوة على مجاهدة نفسك. اجعلي لك وردًا يوميًّا من القرآن الكريم تلاوة وتدبرًا، فهو نور لقلبك وروحك: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82].

 

- الدعاء والاستعانة بالله:

 

لا تملِّي من الدعاء، فهو سلاح المؤمن. اطلبي من الله العون والتوفيق، والثبات على الخير، والتخلص من كل ما يضرّك.

 

وسائل لملء الفراغ

 

ابنتي العزيزة، بعد أن عزمنا على ترويض النفس من الداخل، حان وقت الوسائل العملية التي ستساعدك على ملء وقتك بما هو نافع ومثمر، ويقضي على الفراغ الذي تشعرين به:

 

1- ضبط العلاقة بالجوَّال:

 

خصصي للجوال أوقاتًا محددة ومحدودة جدًّا خلال اليوم. مثلًا: ساعة في الصباح وساعة في المساء: للتواصل الضروري والرد على الرسائل المهمة، وتصفح ما ينفع.

 

ضعي الجوال بعيدًا عنك خلال الوجبات، وقبل النوم، وأثناء أداء العبادات، وخلال الأنشطة العائلية أو الاجتماعية.

 

لا تضعي الجوال بجانبك أو في متناول يدك مباشرة، بل ضعيه في غرفة أخرى أو درج مغلق.

 

2- ضبط عباداتك:

 

- الصلاة يجب أن تقام في وقتها وبخشوع.

 

- خصصي وقتًا يوميًّا لتلاوة القرآن الكريم ولو صفحة واحدة.

 

- واظبي على أذكار الصباح والمساء وأذكار الأحوال.

 

- حاولي إحياء وقتٍ من ليلك بصلاة ولو ركعتين.

 

3- تطوير ذاتك:

 

- اقرئي كتبًا نافعة في مجالات تهتمين بها: دينية، ثقافية، علمية. ابدئي بصفحات قليلة يوميًّا ثم زيديها تدريجيًّا.

 

- تعلمي مهارة جديدة تفيدك في حياتك العملية أو الشخصية؛ حرفة يدوية مثلًا أو لغة جديدة.

 

- ابحثي عن هوايات كنتِ تحبينها في الماضي ولم تجدي وقتًا لها، أو اكتشفي هوايات جديدة: الرسم، الخياطة، الطبخ، التصوير، الكتابة، وغيرها.

 

- احضري دروسًا ودورات علمية عبر الإنترنت أو في مراكز قريبة منك.

 

- مارسي أنواعًا من الرياضة حسب المستطاع: المشي، الجري، التمارين المنزلية. فالرياضة تفرغ الطاقة السلبية وتمنحك شعورًا بالنشاط والحيوية.

 

4- اجعلي التواصل الاجتماعي حقيقيًّا

 

اقضي وقتًا مع الأهل والأصدقاء وجهًا لوجه، بدلًا من التواصل الافتراضي. زوري صديقاتك، شاركي في الأنشطة الاجتماعية التي تقربك من الناس الصالحين والمفيدين.

 

صلي رحمك، فإن صلة الرحم من الأعمال التي تبارك في العمر والرزق، وتملأ القلب بالطمأنينة.

 

5- وضع الحواجز أمام المعطلات:

 

وذلك عبر الآتي:

 

- إلغاء الإشعارات: ألغي إشعارات التطبيقات غير الضرورية التي تسحبك باستمرار.

 

- حذف التطبيقات المستنزفة للوقت: لا تترددي في حذف التطبيقات التي تجدين نفسك تقضين عليها معظم وقتك دون فائدة.

 

- استخدام تطبيقات تساعد على التحكم في الوقت: هناك تطبيقات تساعد على تتبع الوقت الذي تقضينه على الجوال، وتضع حدودًا زمنية لاستخدام التطبيقات.

 

6- طلب المساعدة والدعم:

 

شاركي مشاعرك مع شخص تثقين به: صديقة مقربة، أخت، الوالدة، الوالد، أو حتى مستشار موثوق به. إن الحديث عن المشكلة يجعلك تشعرين بالراحة ويساعدك على إيجاد الحلول.

 

وإذا وجدتِ أن المشكلة تؤثر على حياتك بشكل كبير، فقد تكون هناك مجموعات دعم لمن يعانون التعلق المفرط بالتكنولوجيا، ابحثي عنها والتحقي بها.

 

وختامًا يا ابنتي، اعلمي أن التغيير لا يحدث بين عشية وضحاها. إنه رحلة تحتاج إلى صبر وإصرار، وقد تتعثرين أحيانًا، وهذا طبيعي. المهم ألا تستسلمي، وأن تعودي مجددًا إلى المسار الصحيح.

 

إن الفراغ الذي تشعرين به لن يملأه إلا القرب من الله، والعمل الصالح، والبحث عن المعنى الحقيقي لوجودك. أنتِ شابة في ريعان عمرك، لديك طاقات كامنة وقدرات عظيمة، لا تدعي هذه الملهيات تستنزفها. اجعلي من وقتك ثروة تستثمرينها في بناء ذاتك، وفيما ينفع دينك ودنياك. وقد قال نبينا ﷺ: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز» [رواه مسلم].

 

أسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يملأ قلبك بالسكينة والطمأنينة، وأن يبارك في وقتك وجهدك، وأن يجعلك من الساعين إلى مرضاته. وتابعينا بأخبارك.

الرابط المختصر :