الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الشباب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
164 - رقم الاستشارة : 2325
09/08/2025
أنا فتاة أبلغ من العمر 28 عامًا، أعمل في وظيفة مستقرة بدخل متوسط، وجمالي عادي، والحمد لله راضية بما قسمه الله لي. قبل حوالي ثمانية أشهر تمت خطبتي على شاب في أوائل الثلاثينيات من عمره، بدا في البداية مهذبًا وطيب الخلق، وكنت أظن أننا متفاهمان إلى حد كبير.
لكن منذ فترة قصيرة، وبالصدفة أثناء حديث بيننا ومع أحد أقاربه، اكتشفت أنه يعاني من مرض نفسي يُسمّى "اضطراب ثنائي القطب"، وهو يتلقى علاجًا دوائيًا بانتظام منذ سنوات.
وعندما واجهته بالأمر، اعترف لي وأخبرني أن حالته تحت السيطرة، لكنه قد يمر بانتكاسات من حين لآخر، وأنه ربما يظل بحاجة للعلاج والمتابعة الطبية طوال حياته.
أنا الآن في حيرة كبيرة وقلق شديد؛ أخشى أن يؤثر هذا المرض على حياتي الزوجية واستقرار أسرتي في المستقبل، خاصة أنني لا أملك خبرة في التعامل مع مثل هذه الحالات. وفي الوقت نفسه، هو شخص محترم ولم أرَ منه إلا خيرًا حتى الآن وأخاف أتحمل ذنب إن تركته.
لكن فكرة أنني سأعيش مع شخص معرض لانتكاسات نفسية تخيفني جدًا.
لا أعرف إن كان القرار الصحيح أن أكمل معه وأتحمل المسؤولية، أم أن الانفصال الآن سيكون أهون من مواجهة المشكلات لاحقًا بعد الزواج.
ابنتي الكريمة،
بداية، أحييكِ على حرصك على محاولة معرفة الحقيقة قبل اتخاذ قرار مصيري كهذا؛ فالحياة الزوجية ليست مجرد مشاعر وقتية، بل هي شراكة ممتدة تتطلب وضوحًا، ومسؤولية، وتحملاً متبادلاً.
أعلم أن ما اكتشفتِه عن خطيبك قد سبّب لكِ ارتباكًا وخوفًا، وهذا طبيعي جدًّا؛ فالزواج من شخص يعاني من اضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder) يستلزم وعيًا كاملًا بطبيعة المرض، وآثاره، وكيفية التعامل معه.
هذا الاضطراب يتميز بتقلبات حادة في المزاج بين فترات من الهوس (Mania) أو الهوس الخفيف (Hypomania) وفترات من الاكتئاب (Depression)، وقد تكون الحالة مستقرة نسبيًّا مع العلاج والمتابعة، لكنها بطبيعتها مزمنة، أي قد تستمر مدى الحياة مع احتمالية الانتكاس.
وهنا، يجب أن تدركي أن الزواج من شخص يعاني مرضًا نفسيًّا مزمنًا يتطلب ثلاثة عناصر أساسية:
١- الدعم النفسي المستمر.
٢- المرونة الأسرية في التعامل مع التغيرات المزاجية له.
٣- وكذلك ضرورة الوعي التثقيفي حول طبيعة المرض وخطط التعامل معه، وهل له تأثيرات وتوابع جينية مستقبلية!
ومن الناحية الشرعية، فالإسلام أمرنا بالتثبت قبل الإقدام على عقد الزواج، وهذا يشمل النظر في الدين، والخلق، والصحة النفسية والجسدية؛ لأن الزواج ميثاق غليظ، قال سبحانه: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾.
وهناك قواعد فقهية مهمة تقول: "لا ضرر ولا ضرار" وأن "الضرر يزال"، "الضرر يزال" وتعني أن الضرر يجب إزالته، سواء كان الضرر قد وقع بالفعل أو كان متوقعًا. هذه القاعدة مبنية على مبدأ الشريعة الإسلامية في جلب المصالح ودرء المفاسد، وتسعى إلى تحقيق العدل وتجنب الإضرار بالغير.
فإذا غلب على ظنك أن المرض سيؤثر على استقرار حياتك بشكل كبير، وأنكِ لا تستطيعين التعامل مع ضغوطه، فالأولى أن تتخذي القرار الآن قبل أن تُلزمي نفسك بعقد قد تجدين صعوبة في فكه لاحقًا.
لكن، إن وجدتِ في نفسك قدرة على الصبر والدعم النفسي والتأقلم، وكان خطيبك ملتزمًا بخطته العلاجية وتحت متابعة طبية منتظمة، وهناك شبكة دعم من أهله وأهلك، فقد يكون استمرار الخطبة خيارًا ممكنًا.
* ونصيحتي العملية لكِ:
- اجلسي مع طبيب خطيبك النفسي، أو على الأقل اطلبي تقريرًا طبيًّا يوضح مستوى استقرار حالته.
- اسألي نفسك بصدق: هل أملك القدرة الانفعالية (Emotional Resilience) على التعامل مع حالات الانتكاس؟
- لا تدعي الخوف أو الشفقة وحدهما يحكمان قرارك، بل اجمعي بين العاطفة والعقلانية. وتذكري قول النبي ﷺ: "تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء".
* وهمسة أخيرة:
القرار في النهاية قرارك أنتِ، لكن لا تتخذي قرارًا بدافع التعاطف وحده أو بدافع الخوف من فوات الفرصة؛ فالزواج رحلة عمر، لا صفقة مؤقتة.
أسأل الله أن يكتب لكِ الخير حيث كان.