الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : الحدود والجنايات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
266 - رقم الاستشارة : 2642
09/09/2025
بعض العلماء المعاصرين يعتبر حد الرجم ليس ثابتا، لأنه لم يرد في القرآن وفيه قسوة لا تتناسب مع رحمة الإسلام، فهل هذا الكلام صحيح؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فحد الرجم ثابت بالسنة الفعلية والقولية عن رسول الله ﷺ، وحجة الذي يقولون إنه لم يرد في القرآن الكريم حجة ساقطة، فكثير من الأحكام الفقهية لم تثبت إلا بالسنة، وقد رجم النبي ﷺ ورجم الصحابة من بعده، ولم يخالف ذلك إلا عدد قليل من الفقهاء في الماضي والحاضر.
والقرآن الكريم هو الذي أمرنا باتباع سنة النبي ﷺ فيقول الله تعالى: ﴿... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ﴾ [الحشر: 7]، ويقول تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًّا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
وروى أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن المقدام أن رسول الله ﷺ قال: «يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ».
والصواب أن نقول إن حد الرجم ومثله الجلد في الزني يصعب بل يستحيل تطبيقه عن طريق البينة؛ لاشتراط أربعة شهود يشهدون بوقوع الحادثة ويرونها بطريقة متواترة لا يختلفون فيها، وما طبق هذا الحد في عهد الرسول ﷺ ولا عهد الصحابة إلا عن طريق الاعتراف، والمسلم مخير بين الاعتراف وتطهير نفسه في الدنيا، وبين التوبة والستر على نفسه، والستر أولى.
الرجم ثابت بالقرآن والسنة وإجماع الصحابة
وقد ذكر أهل العلم أن الرجم ثابت بالقرآن والسنة وإجماع الصحابة، فمن الكتاب ما ثبت عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال عمر: إن الله قد بعث محمدًا ﷺ بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، وقد قرأتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. متفق عليه.
وأما السنة: فأحاديث الرجم للزاني المحصن ثابتة في كتب الحديث، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر ـ رضي الله عنه ـ: أن رجلاً من أسلم أتى النبي ﷺ وهو في المسجد فقال: إنه قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشقه الذي أعرض فشهد على نفسه أربع شهادات، فدعاه فقال: هل بك جنون؟ هل أحصنت؟ قال نعم فأمر به أن يرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدرك بالحرة فقتل.
وأخرج البخاري عن الشعبي لحديث علي ـ رضي الله عنه ـ حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال: قد رجمتها بسنة رسول الله ﷺ.
وأخرج البخاري من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي ﷺ قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا يا رسول الله، قال: أنكتها! لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه.
وأخرج مسلم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قال ﷺ واغْدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله ﷺ فرجمت.
وأما الإجماع: فقال النووي: أجمع العلماء على أن الرجم لا يكون إلا على من زنى وهو محصن، وأجمعوا على أنه إذا قامت البينة بزناه وهو محصن يرجم. اهـ.
وقد نقل الإجماع عليه ابن قدامة: الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة: أحدهما في وجوب الرجم على الزاني المحصن، رجلاً كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفًا إلا الخوارج فإنهم قالوا: الجلد للبكر والثيب.
والله تعالى أعلى وأعلم.