الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : الحدود والجنايات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
267 - رقم الاستشارة : 2625
08/09/2025
لماذا دية غير المسلم على النصف من دية المسلم ألا يعد ذلك تعارضًا مع حقوق المواطنة؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالمقصود بغير المسلم هنا المعاهد وليس المحارب؛ فالمحارب دمه هدر غير معصوم، وهناك ثلاثة آراء حول هذه المسألة، يرى أصحاب الرأي الأول أن دية غير المسلم مثل دية المسلم، والرأي الثاني يرى أن ديته نصف دية المسلم، والثالث يرى أن ديته ثلث دية المسلم، ولكل فريق أدلته، وللقاضي أن يختار من أي هذه المذاهب، ولا يعد ذلك تعارضًا مع حقوق المواطنة؛ لأن الدية تعويض في حالة القتل الخطأ، وكل النظم الوضعية تقدرها بطريقة مختلفة، ولو أخذنا بالرأي الذي يقول بالنصف فمعناه دية غير المسلم تساوي 2 كيلوجرام وثُمن كيلوجرام من الذهب الخالص، وهذا يعد من أفضل التعويضات التي تبذل في القتل الخطأ.
ولو قرر القاضي المسلم أو الحاكم المسلم المساواة بين الديتين فلا يوجد ما يمنع شرعًا.
وإليك ملخصًا لهذه الآراء مع أدلتها:
القول الأول: دية غير المسلم مثل المسلم
وهو مذهب أبي حنيفة وهو منقول عن الثوري، والزهري، وزيد بن علي، والقاسمية، أن دية غير المسلم مثل دية المسلم فاستدلوا على ذلك بأدلة، منها:
وأما الأدلة التي استدل بها أصحاب القول فترجع إلى الكتاب والسنة والآثار والمعقول:
أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿... وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 92].
قال الكاساني: "أطلق سبحانه وتعالى القول بالدية في جميع أنواع القتل من غير فصل، فدل أن الواجب في الكل على قدر واحد".
السنة: استدلوا بعدة أحاديث كلها ضعيفة، منها:
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أن الدية كانت على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضوان الله عليهم- دية المسلم واليهودي والنصراني سواء، فلما استخلف معاوية صيَّر دية اليهودي والنصراني على النصف من دية المسلم، فلما استخلف عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- رد الأمر إلى القضاء الأول»
- عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال النبي ﷺ: «دية ذمي دية مسلم».
- عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: «أن رسول الله ﷺ جعل دية المعاهد كدية المسلم».
أما الآثار فمنها:
- ما روي عن ابن مسعود أنه كان يقول: دية أهل الكتاب مثل دية المسلم.
- وروى الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل رجلاً من أنباط الشام، فرفع إلى عمر -رضي الله عنه- فأمر بقتله، فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله ﷺ فنهوه عن قتله، قال: فجعل ديته ألف دينار.
المعقول: قالوا إن أهل الكتاب "معصومون متقومون؛ لإحرازهم أنفسهم بالدار، فوجب أن يكونوا ملحقـين بالمسلمين، فوجب أن يجب بقتلهم ما يجب بقتلهم، أن لو كانـوا مسلمين، ألا تـرى أن أموالهم لما كانت معصومة متقوَّمة، يجب بإتلافها ما يجب بإتلاف مال المسـلم، فإذا كان هذا في أمـوالهم، فما ظنك في أنفسهم".
القول الثاني: دية غير المسلم على النصف من دية المسلم، وهو مذهب المالكية، واستدل أصحاب هذا المذهب بالسنة والآثار.
- ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: «دية المعاهد نصف دية الحر». وفي رواية: «دية الكافر نصف دية المسلم».
- وعنه أيضًا أن رسول الله ﷺ :«قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى».
وأما الآثار، فمنها: عن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- قال: "دية المعاهد على النصف من دية المسلم".
وعن هشام بن عروة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: "دية الذمي خمس مئة دينار".
وعن سليمان بن يسار -رضي الله عنه- قال: "كان الناس يقضون في الزمان الأول في دية المجوسي بثمانمائة، ويقضون في دية اليهودي والنصراني بالذي كانوا يتعاقلون به فيما بينهم، ثم رجعت الدية إلى ستة آلاف درهم".
القول الثالث: دية غير المسلم ثلث دية المسلم
وهو مذهب الشافعية ورواية عن الحنابلة، واستدل أصحاب هذا القول بعدة آثار منها:
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، ودية المجوسي ثمانمائة".
قال الشافعي في الأم: "قضى بذلك عمر وعثمان رضي الله عنهما؛ ولأنه أقل ما أجمع عليه، وهذا التقدير لا يعقل بلا توقيف".
وهذا القول قال به من التابعين: سعيد بن المسيب، وعطاء، وعكرمة وهذا القول هو المعتمد عند الحنابلة، وبيانه أنه إذا كان غير المسلم المقتول ذكرًا فديته نصف دية المسلم الذكر، وإذا كانت المقتولة غير المسلمة أنثى، فديتها نصف دية الأنثى المسلمة.
والله تعالى أعلى وأعلم.