الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : الحدود والجنايات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
358 - رقم الاستشارة : 2616
06/09/2025
هناك شبهات يثيرها كثير حول دية المرأة وأنها نصف دية الرجل ، وهل هذا يعد انتقاصا من شأن المرأة ؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
رأيان للفقهاء
فثمة رأيان للفقهاء في هذه المسألة، رأي للحنفية ومن معهم أن دية المرأة تعدل دية الرجل سواء بسواء، ولهم أدلة من القرآن والسنة والآثار والمعقول، ورأي جمهور الفقهاء ولهم أدلة من القرآن والسنة والآثار والمعقول.
ومن حق القاضي المسلم أو الحاكم المسلم أن يأخذ بأحد الرأيين، ولو سلمنا برأي الجمهور فلا يعد ذلك انتقاصًا من شأن المرأة، حيث إن الدية ليست بدلاً للنفس ولكنها تعويض عن نفقة المتوفى على أهله، والغالب أن الرجل هو المسئول عن النفقة وليست المرأة، فهذا تعويض لهذه الأسرة المكلومة التي خسرت من ينفق عليها وليست مقابل النفس، بدليل أن الرجل لو قتل امرأة يقتل بها.
أدلة الجمهور
استدل جمهور الفقهاء على أن دية المرأة نصف دية الرجل بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178].
واستدلوا بقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ...﴾ [النساء: 11].
وقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ... ﴾ [النساء: 34].
وهذه الآيات كلها وإن كانت قطعية الثبوت غير أنها ظنية الدلالة، وليست قطعية في أن دية المرأة نصف دية الرجل.
ثانيًا: السنة: استدلوا من السنة بما يلي:
* عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ"، ونوقش هذا بأن الحديث ضعيف.
* حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها".
- الآثار:
ومما استدل به أصحاب هذا المذهب بعض الآثار الموقوفة التي رويت عن الصحابة، مثل ما روي عن عمر رضي الله عنه. قالوا: أدركنا الناس على أن دية المسلم الحر على عهد النبي ﷺ مائة من الإبل فقوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق.
وهذه الأحاديث والأثار وإن كانت قطعية الدلالة غير أنها ظنية الثبوت فلم تسلم من مقال.
أدلة من قال بمساواة الدية
واستدل من يرى أن دية المرأة مثل دية الرجل بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا..﴾ [النساء: 92].
واستدلوا من السنة: ما جاء في الكتاب الذي كتبه رَسُولِ اللهِ ﷺ، لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: (وَفِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ). وقوله عليه السلام: "الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أدناهم".
وكما استدلوا بالمعقول وبيانه في الآتي:
* استواء الغرة في الجنين بين الذكر والأنثى يوجب الاستواء في الدية؛ لأن الغرة إحدى الديتين.
* أن الدية في القرآن واحدة للرجل والمرأة، والزعم بأن دم المرأة أرخص، وحقها أهون: زعم كاذب مخالف لظاهر الكتاب.
وللقاض المسلم أو الحاكم المسلم أن يأخذ بأي الرأيين كما سبق أن وضحنا.
والله تعالى أعلى وأعلم.