الفرق بين الجرائم السياسية والجرائم العادية

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : الحدود والجنايات
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 473
  • رقم الاستشارة : 2296
07/08/2025

هل هناك فروق بين الجريمة السياسية والجريمة العادية؟ وما الذي يترتب على هذا؟

الإجابة 07/08/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فيقصد بالجريمة السياسية ما يُعرف بجريمة البغي في الفقه الإسلامي، وقد عرف الفقهاء البغاة بأنهم: الخارجون من المسلمين عن طاعة الإمام الحق بتأويل، ولهم شوكة.

 

فإن كان خروجهم بغير حق والإمام عادل شرعي فهم آثمون، أما إن خرجوا بحق على إمام جائر، أو إمام متغلب فلا إثم عليهم.

 

أما الجرائم العادية فهي المحظورات الشرعية التي يرتكبها الناس دون تأويل، مثل قتل: النفس، والزنى والسرقة وشرب الخمر وغيرها، وهذه محرمة، ومرتكبها آثم، وقد فرّقت الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية بين هذين النوعين من الجرائم.

 

والبغي حرام، والبغاة آثمون، ولكن ليس البغي خروجًا عن الإيمان؛ لأن الله سمّى البغاة مؤمنين في قوله تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9]، إلى أن قال: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 10].

 

ويحل قتالهم، ويجب على الناس معونة الإمام في قتالهم، ومن قُتل من أهل العدل أثناء قتالهم فهو شهيد، ويسقط قتالهم إذا فاءوا إلى أمر الله، ويقول الصنعاني: إذا فارق أحد الجماعة ولم يخرج عليهم ولا قاتلهم يخلى وشأنه؛ إذ مجرد الخلاف على الإمام لا يوجب قتال المخالف، وفي حديث رواه الحاكم وغيره قال النبي عليه الصلاة والسلام لابن مسعود: (يا ابن مسعود: أتدري ما حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال ابن مسعود: الله ورسوله أعلم، قال: حكم الله فيهم ألا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يذفف على جريحهم).

 

ويرى الشافعية أن البغي ليس اسم ذم؛ لأن البغاة خالفوا بتأويل جائز في اعتقادهم، لكنهم مخطئون فيه، فلهم نوع عذر؛ لما فيهم من أهلية الاجتهاد، وقالوا: إن ما ورد في ذمهم، وما وقع في كلام الفقهاء في بعض المواضع من وصفهم بالعصيان أو الفسق محمول على من لا أهلية فيه للاجتهاد، أو لا تأويل له، وكذلك إن كان تأويله قطعي البطلان.

 

يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين -رضي الله تعالى عنهما- قال دخلت على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أحدًا أكرم غلبة من أبيك ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح.

 

قال الشافعي: فذكرت هذا الحديث للدراوردي فقال ما أحفَظَه؛ يعجب بحفظه، هكذا ذكره جعفر بهذا الإسناد، قال الدراوردي أخبرنا جعفر عن أبيه أن عليًّا رضي الله تعالى عنه كان لا يأخذ سلبًا وأنه كان يباشر القتال بنفسه وأنه كان لا يذفف على جريح ولا يقتل مدبرًا.

 

قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًّا رضي الله تعالى عنه قال في ابن ملجم بعدما ضربه: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره إن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت، وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا.

 

والفقهاء يعتبرونهم مخطئين في الخروج، ويوجبون مقاتلتهم لكفهم عنه ورد عدوانهم عن الحاكم الشرعي ومن معه، ولكنهم لا يكفرونهم ولا يفسقونهم بهذا الخروج لأنهم يخرجون بتأويل وإن أخطئوا فيه، ولا يرى الفقهاء أن اسم البغي يفيد الذم.

 

ولذلك يذهب رأي راجح في الفقه الإسلامي إلى أن الذين يخرجون على الإمام لظلم وقع عليهم ليسوا من أهل البغي، وعليه (أي على الإمام) أن يترك الظلم وينصفهم، وينبغي للناس ألا يعينوا الإمام على البغاة، لأن فيه الإعانة على الظلم.

 

وقد بيّن الفقهاء أنواع البغاة من حيث جواز فعلهم، أو كونه صغيرة أو كبيرة كما يلي:

 

أ- البغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين، وإنما هم مخطئون في تأويلهم، كالمجتهدين من الفقهاء.

 

ب- إن خالط البغاة أهل العدل، وتظاهروا باعتقادهم، دون مقاتلتهم جاز للإمام تعزيرهم؛ إذ التظاهر باعتقادهم، ونشره بين أهل العدل دون قتال يعتبر من الصغائر.

 

ج- إذا اجتمع المسلمون على إمام، وصاروا آمنين به، فخرج عليه طائفة من المؤمنين، ولم يكن ذلك لظلم ظلمهم إياه، ولكن لدعوى الحق والولاية. فقالوا: الحق معنا، ويدّعون الولاية، ولهم تأويل ومنعة، فهم أهل بغي، فعلى كل من يقوى على القتال مناصرة الإمام عليهم. قال ابن عابدين: ومن البغاة الخوارج.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

الرابط المختصر :